المجلس المذهبي | مجلة الضحي
الجمعة ١٩ نيسان ٢٠٢٤ - 10 شوال 1445
رسالة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن لمجلة الضحى العدد15

2016-02-11

توحيد لا شرْك فيه                     
يستمدُّ الموحِّدون النَّسغَ الّذي يغذِّي إيمانهم بالله الواحد الأحد من التراث الإبراهيميّ الَّذي بلغ مرقاه الأخير في القرآن العظيم. وجوهر اعتقادهم هو التَّوحيد، أي التَّصديق الكيانيّ بأنَّ للوجودِ بارئًا لا شريك له، برأ الخَلق بإرادته، أي خلقَهم وأوجدهُم في أحسن تقويم، وزوَّدهم بالإمكان الرُّوحيّ، العقليّ والنَّفسيّ، الَّذي من شأنه أن يهديهم سواء السبيل عبر "الذِّكر" الَّذي يوحي به لرُسُله ليكونَ رحمةً وهدًى ونورًا للنّاس يستضيئون به خلاصًا لأرواحهم من ظلمة الغفلة وهاوية الإبلاس والمعصية.        
خلقَ الخَلقَ لا عن مِثال. فتبدَّى الوجودُ، بالقدرةِ الرَّبَّـانيَّة، منسجمًا في حدِّ العقلِ رأفةً بالعالَمِين. وكان على غايةٍ من جلال الصُّورة، ودقائق الحِكمة، ولَطافة التَّدبير. ذلك أنَّ من صِفاتِ المُوجد إظهار الموجودات، ومن صفات الصَّانع إظهار المصنوعات، ومِن صفاتِ القادر إظهار القدرة، ومن صفات العالِم إظهار العِلم، ومِن صفات الحكيم إظهار الحِكمة، وكلُّها دلالة على وجوده وعظمته وفضله وعدله.     
إنَّ عبارةَ﴿ سُبحانَهُ وتعالى ﴾المتَّصلةِ قولاً بالله عزَّ وجلّ هي تعبيرٌ عن أرفع معاني التنزيه للبارئ العليّ. والعليُّ من أسماء الله الحُسنى وهو العلـيّ عن النظير والأشبـاه، المنزَّه المقدَّس عن جميعِ أنواع النقص. وهو مع وجوبِ تنزيهه، موجودٌ لا أحقّ بالوجود منهُ أحد﴿ فأينما تـُوَلـّوا فـَثـَمّ وجهُ الله ﴾وهذا غاية معنى الوجود بإطلاق، بل هو الواجدُ الَّذي لا يعوزهُ شيءٌ، ولا يُتصَوَّر للأشياءِ وجود ولا دوامُ وجودٍ إلاَّ به، وهو﴿ الحيُّ القيُّوم ﴾الَّذي به حياةُ كلّ حَيّ ومَن لم يَحيَ به فهو ميت، لأنَّ قوامَه بذاته وقوامَ كلِّ شيءٍ به، وليس ذلك إلاَّ له.   إنَّ الامتثالَ لمقاصد كتاب الله هو الدَّرب القويم لطاعةٍ يُرضي بها العبدُ ربَّهُ. وتلك مقاصد لا سبيل إلى تحقيقها إلَّا بالتزام الأخلاق الحميدة، والفضائل السامية، وقاعدتها الأمر بالمعروف والنَّهي عن المُنكَر. ولا بدَّ للمؤمن الموحِّد الصادق إلَّا أن يكونَ شهادةً للحقِّ بما يليقُ باعتقاده الشَّريف المبنيّ على أصُول الدِّين الحنيف. وبدايةُ الإصلاحِ في الأمَّة تكون بإصلاح النّفوس بحُسن الطَّاعة لله عزَّ وجلَّ.     
إنَّ اللسانَ، في الآداب التوحيديَّة، هو أبو الكبائر، فلا يليق بدِين المرء وديانته أن لا يحفظه بالتزام التقوى التي يتقدَّم بها نحو ربِّه لتكون له منه ثمَّة كرامة. ألم نقرأ في كتاب الله العظيم﴿ إنَّ أكرمكُم عند الله أتقاكُم ﴾! والتقوى تجمع في معناها المسلكي كلّ ما يسمو بالرُّوح إلى مرقى تحقيق الفضائل التي أمر الله تعالى بها من أجل خير بني آدم جميعًا، وَ﴿ مَن عَمِلَ صَالحًا فلنفسِه ومَن أسَاء فعَلَيْها ﴾.        
لقد أحبَّ رسولُ الله r "الحنيفيَّة السَّمحة" لأنَّها الأقرب إلى فطرة الناس﴿ الّتي فطَر النَّاسَ علَيْهَا ﴾، وهي قابليَّة الحقّ والتهيُّؤ لإدراكِه اتِّباعًا لِما أوحى به عزَّ وجلَّ إلى رُسُلِه. وقبول الحقّ هو باكتساب الخصال الإيمانيَّة والتوحيديَّة التي اكتنزها الإسلامُ في رسالتِه الإلهيَّة إلى العالَم. ولا يمكنُ أن يكون ثمَّة فِصَام بين مقاصدِ الدِّين القويم وبين مسالك المؤمن الموحِّد في جوارحه وفي سكَناتهِ وفي خواطره وفي اختلاجاتِ صدره.     
نحنُ، من جهتنا، لا نرضى لنفوسِنا ولا نرضه لإيمانِنا أن نُسيءَ لأحَدٍ، أو أن نظلمَ أو أن نأخذَ هذا بجريرةِ ذاك لا قدَّر الله، وإنَّما نمتثلُ قول الرسول (ص) في يوم عرَفة من حِجَّة الوداع: "إنَّ اللهَ حرَّم عليكُم دماءَكُم وأموالكم كحُرمة بلدِكم هذا، وكحُرمة شهركُم هذا، وكحُرمة يومكُم هذا... واتَّـقوا الله ولا تَبخَسوا الناسَ أشياءَهُم، ولا تعثُوا في الأرض مُفسِدين... لا فضلَ لعربيّ على عجميّ، ولا عجَميّ على عربيّ إلَّا بتقوى الله... لا تأتوني بأنسابِكُم، وأْتوني بأعمالِكُم... المسلمُ أخو المسلم، لا يغُشّه، ولا يخُونُه، ولا يغتابُه، ولا يحُلُّ دمه..." اللَّهُمّ اشهد.
* * * * * * *