المجلس المذهبي | مجلة الضحي
الثلثاء ٢٣ نيسان ٢٠٢٤ - 14 شوال 1445
رسالة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن لمجلة الضحى عدد 10 تاريخ 15/10/2014

2014-10-15

رسالة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن ملتزمون بثوابت التوحيد      

ما أحوجنا هذه الأيّام إلى التطلُّع بعين ثاقبة ونيِّرة نحو الثوابت التاريخيَّة التي التزمها أسلافُ الموحَّدين الدروز منذ البدايات التي برزوا فيها قبائل عربيّة أصيلة، تحفظ في روحها وفي مسالكها الحياتيَّة القيَم العالية، والمبادئ السامية، سواء أكان ذلك في المنحى السياسي، أم في المنحى الأخلاقي والاجتماعي.  كان الأمراء التنوخيُّون خيرَ من تولّى حكم إمارة الجبل اللبناني العتيق عبر مئات السنين، ذلك أنَّهم حفظوا لبلدهم دورًا عزيزًا سَنيًّا في محيطهم الكبير، عبر علاقة حكيمة ومتواصلة مع الخلفاء الذين توالوا عبر الحقب المختلفة من دون تسجيل بوادر نزوع إلى التقوقع المذهبيّ، أو إلى عصبيَّاتٍ خارجة عن المسار العام للأمَّة". الملاحظةُ ذاتها تنطبقُ على الأمراء المعنيّين الذين خلفوا التنوخيّين، مع العلم بأنّه يتوجَّبُ النّظر إلى مرحلة الأمير فخر الدّين الكبير لا من منظور التمرُّد على السلطنة، وكتاب الخالدي الصفدي معاصره ومرافقه إلى توسكانا آنذاك يضع الحقائق في نصابها، إذ يردُ في تاريخه ما يؤكِّدُ مدى التزام الأمير بثوابت التاريخ، وإنّما أراد تحاشي ظلم الواشين والمفترين، وفي الوقت نفسه، أراد لبلده أن يجمع مكوِّناته الاجتماعية في بوتقة فكرية وطنيَّة جامعة، ممّا أدّى إلى اعتبار المؤرّخين له رائدًا في تجسيد الفكرة الجامعة  للعيش المشترك التي منها كان لبنان. نريد من هذا المدخل القول بأن المقاربة الموضوعيَّة لتاريخ الموحِّدين الدّروز بمجمله، لا يمكن أن تضعهم في حيِّز منفصل عن "أمَّتهم"، لا بالمعنى السياسي للتعبير، ولا بالمعنى السّلوكي الديني. ومع ذلك، لا بدَّ من الاعتراف بأنَّ فصول الحرب اللبنانيّة التي بدأت منذ العام 1975، شهدت خلال فترة الفوضى حركة تشويش خبيث لم توفِّر فيه أيّا من المعالم والمذاهب الاسلاميَّة بغرض ضرب الساحة الوطنية وتفتيتها. وتفشَّى هذا "الفيروس" في سوق رخيصة شعبيّة تُستثار دون أيّ حسّ نقدي عقلانيّ مستنير، ودون تمييز ضروريّ في هذه المواضيع بين ما هو جدّي رصين وما هو مبتذل رخيص. ثم رُوجّت هذه الأفكارُ الهزيلة المغلوطة في عالَمٍ صاخب تقتحمُ حواسه وضمائره الصورةُ والخبر العاجل من دون الوقوف على حقائق الأمور وطبائعها الصحيحة ولا تزال مع الاسف حتى اليوم. إزاء كلّ هذا الالتباس المولود في العتمة، نقف نحن في وضح النهار - مع محافظتنا على نظرتنا الوطنية والتاريخية - لنذكِّر الجميع بالتقاليد المعروفيَّة الأصيلة، و بأنَّ مذهب الموحِّدين الدروز هو ثمرة طيّبة من دوحة الاسلام العظيم، تبدَّت مناحِيه السلوكيَّة و لطائفه الرّوحيَّة في بيئةٍ شهدت أرقى مستويات الحضارة الاسلاميَّة الزاهية التي أنارت العالم في عصوره المظلمة، وحفظت له ينابيع المعرفة بإخلاص وصدق مجسِّدة بما هو عليه الاسلام السّمح من عمق إنسانيّ مستنير يفتقرُ إلى مضامينه الأخلاقيَّة الرّفيعة عالمنا المعاصر. وهذا ما يعمل على تثبيته المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز. لقد سبق لـ"الضحى" أن نشرت منذ حوالي السنتين كتابنا "السبيل إلى التوحيد"، الذي يشكِّل مدخلا إلى المسلك التوحيدي. وقد كان الحرص شديدًا على أن تكون نصوصُه مستقاة من ينابيع معرفيَّة تراثية صافية. أردناه خصوصًا أن يكون أداة تعليميَّة لأبنائنا من الجيل المعاصر المقيم والمغترب، والذي نأمل منهم الحصول عليه والتعمق بمضمونه بحيث يقفون على معالم تربويّة تكون لهم نبراسًا مفيدًا يوجّههم إلى الباب الصحيح لتراثهم الأصيل. وهذا هو سبيلنا الواضح لتراه الناسُ في النور، نُكمّله بـكتاب آخر ذي أغراض تعليمية أيضا وضعنا له عنوان "علامة المؤمن". وهذه هي طريق الحق مفتوحة ومضيئة لكل ذي بصيرة، أما الذين يندفعون بطيش إلى أقبية الظلام "فهم لا يتبعون إلا الظن"وما تهوى الأنفس" ويعمون عن الحقيقة الساطعة التي نرجو الله تعالى أن تشمل بنعمتها جميع المخلصين من أهل التقوى والدين. المؤسف حقاً ان كثيرين يجهلون تاريخ الموحدين الدروز بمعناه التراثي الأثيل العميق، ويحلّون محل المعرفة الحقيقية والموضوعية كل أنواع الظنون والأباطيل، لكن الحق يعلو ولا يعلى عليه، فهو لا يؤخذ من أقبية الظلام، ولكن من فسحة النّور. إنَّ إحدى المهمّات الأساسيَّة لـ"الضحى" هي السعي قدر الإمكان في محاولة سد النقص في فهم حقيقة تراث الموحِّدين وقيمهم وسيَر رجالاتهم المشهود لهم، والإضاءة على صفحات تاريخهم النضالي والفكري والمسلكيّ البالغ الثراء، وهو إرث مستمر بثوابته المعرفيَّة والاسلاميَّة والوطنيَّة، نحافظ عليه برغم كل المتغيرات وكلّ المنشورات المغلوطة التي يُصدرها مَن لا يُقدِّر المنهجيَّة العلميَّة حقّ قدرها بل يُسهم في المزيد من البلبلة وخلط المفاهيم بشكل مضلّ تمامًا. ونرى من قدرنا أن نبقى أوفياء لفضيلة الصدق التي بها تصحّ كلّ معرفة، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم.
15/10/2014