المجلس المذهبي | مجلة الضحي
الجمعة ٢٩ آذار ٢٠٢٤ - 19 رمضان 1445
كلمة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن بمناسبة بداية شهر رمضان المُبارك 17/6/2015

2015-06-17

بسم الله الرحمن الرحيم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾[البقرة 183].
فالصّيامُ فريضةٌ ﴿أيَّامًا معدُوداتٍ﴾ حُدِّدت من مستهلّ الشهر الفضيل الّذي تنزَّل فيه الهدى نورًا للعالمين ورحمة    

والصِّيامُ، معشرَ المسلمين، هو الكَفُّ عمَّا أمَر اللهُ بالكَفِّ عنه. فليس الإمساكُ عن الطعامِ إلا ذريعةً يتمكَّنُ الصَّائمُ الصَّادقُ بها من سلوكِ السّبيل إلى التّقوى. فالجوع غذاءٌ للقلب يكسرُ به المؤمنُ حدّةَ الطّبع، وعنفوانَ الصُّورة، ونوازعَ النّفسِ إلى هواها ورغباتها، لأنَّه يستشعرُ حضورَ الله، فإن حصلَ له التّوفيقُ بالإخلاص، تواضعَ وخَشَع وتيقَّظَ من غفلاته فاتقى وكانت له الكرامةُ عند الله تعالى، وعدًا من ربٍّ رحيم ﴿إنَّ أكرَمَكُم عندَ الله أتقاكُم﴾.        
كم نحنُ بحاجةٍ اليوم إلى الارتواء من مَعين مقاصد الله الرُّوحيَّة في كتابه العظيم. إنَّ في ذلك تطهيرًا للقلوبِ وللنوايا ولما هو مَخفيّ في الصُّدور. كم نحنُ بحاجةٍ اليوم إلى التنبُّه لحقائق الدَّعوةِ التي لا يُمكنُ إلا أن تكونَ مرتبطةً ومتجذِّرةً بإرادةِ الله الخيِّرة الرَّحيمة العادلة حتمًا. لا يُمكنُ للمؤمنِ أن يَركَنَ لدوافعَ المطالبِ والمصالحِ الدّنيويَّة على حِساب وقوفه في يوم الحقّ أمام ربٍّ لا يُبخَسُ بين يدَيه عملٌ، لا في طاعة ولا في معصية.        
لا يُمكِن للسياسةِ البشريَّةِ أن تخرجَ عن المنطوق القرآني الشريف ﴿وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾ [النساء 58]. والمسلمُ المؤمنُ الموحِّدُ اليوم يريدُ العدل كي تكونَ له حياةٌ كريمة ينصرفُ فيها إلى عيشٍ كريم لا تكونُ سُنَّتُه الخوفَ على ما ملَّكه الله من روحٍ ورزق. ولو اتَّخذ أيُّ حاكمٍ في هذه الحياة الدّنيا الزائلة مسارَ العدل لأَسْكَنتْه النَّاسُ قلوبَها.        
لا يسعنا في هذا الشهر الفضيل إلا أن نكرِّرَ ثوابتنا في المواقف التي نكرِّرها في كلّ مناسبة فيما يتعلَّق ببلدنا لبنان، والبلاد الشقيقة التي نخصّ منها مَن يكابد نارَ الأزمات المصيريَّة. سائلين الله تعالى بخشوعٍ ومهابة أن يُلهمَنا إلى الحقائق النورانيَّة التي غمرت النّفوسَ والعقولَ برحماتٍ منه ورأفة تكريمًا لخَلقه. وسائلينه أن يَعمَّ في بقاع الأرض بالأمن والعزَّة والفرج بعد شدائد الدّهر ونوائبِه. راجين أن يعفو عنَّا ويغفر لنا ذنوبَنا وغفلاتنا. وأن يحميَ المخلصين الصادقين من كلّ عدوان، وأن يشملَ برحمته كلّ توّابٍ أوّاب قاصدٍ وجهه. وآملين أن يكون هذا الشّهر الفضيل مُبارَكًا على كافَّة المسلمين وجميع اللبنانيين. إنه هوَ السَّميع العليم.

بيروت في: 30 شعبان 1436ه.      
الموافق في 17/6/2015م.