المجلس المذهبي | مجلة الضحي
الأربعاء ٢٤ نيسان ٢٠٢٤ - 15 شوال 1445
كلمة سماحة شيخ العقل الشيخ نعيم حسن خلال تنصيب الشيخ عبد اللطيف دريان 15-9-2014

2014-09-16

بسـم الله الرحمـن الرحيـم الحمد لله ربّ العالَمين، والصّلاةُ والسّلامُ على خاتم النبيّين محمد سيِّدِ المرسَلين، وعلى آلِه وصحبِهِ الطّاهرين

الحفلَ الكريم السلام عليكم ورحمة المولى وبركاته إنَّه يومٌ مشهود أن نلتقيَ في هذا المكان الكريم، احتفاءً بالنَّهضةِ المتجدِّدة السَّنيَّةِ لدارِ الفتوى التي هي ركنٌ أساسيٌّ من حِمى وطنِنا لبنان بل والعالمِ الإسلاميّ، يُصيبُنا ما يصيبُها، ويقوّينا ما يقوّيها. وهذا حدَثٌ يصيبُ بـخَيْرِه الصفَّ الاسلاميَّ بكلِّ فروعِه، وبالتالي، يصيبُ الوَحدةَ الوطنيَّة، وعلينا جميعًا أن نبذلَ كلَّ همَّةٍ مخلصةٍ في هذا الاتّجاه كي نحميَّ بلَدَنا، ونحافظَ على القيَمِ الرّفيعةِ التي يمثِّلُها اجتماعُنا وتُمثِّلُها ثوابتُنا الوطنيَّةِ والإنسانيَّةِ التي ترقى بإيماننِا وبالتزامنا الرّوحيّ إلى ما هو نقيضٌ لكلِّ الشناعات والفوضى الآثمة التي نراها هنا وهناك لأسبابٍ لا تُخفى على البصيرِ اللَّبيب. إنَّ وقوفَنا اليومَ في هذه المناسبةِ السّعيدةِ، يحقِّقُ لنا أملاً عزيزًا، وهو تجديدُ العهدِ الَّذي طالما دَأبتْ القياداتُ الرّوحيَّةُ على التأكيدِ عليه والتزامِه بقوّةِ إيمانِها، وهو عهدُ التلاقي على كلمةٍ سواء، وعهدُ المناداةِ بالحفاظِ على البُنيانِ المرصوصِ صفًّا واحدًا، في وطنِ اللِّقاءِ والتعايشِ والبيئةِ المشتركة. وإنّنا نرى من أولوّياتنِا اليومَ أن نُدينَ أيَّ خطابٍ ينحو منحى الكراهيَّةِ والبغضاءِ ونبذِ الآخَر، وأن ندعو، كما دَعوْنا دائمًا، الى الاعتدال وإلى الكلمةِ المُشبَعةِ بالنُّور الإنسانيّ، فالكلمةُ الطيّبةُ تُسْهِمُ في بناءِ الأممِ، والكلمةُ الخبيثةُ هي أوَّلُ الطريق إلى خرابها. نجدِّدُ تأكيدَنا على الثوابتِ قلبًا بقلب، ويدًا بيَد، ولنا وكافّةُ القياداتِ الروحيَّةِ مسيرةٌ طويلةٌ حافظتْ على ثوابتٍ إسلاميَّةٍ ووطنيَّةٍ أساسيَّةٍ، متينةً في المواقفِ التي من شأنها أن تبنيَ الأوطان، لا بالسياسةِ والدّعوةِ إلى وَحْدَة الصّفّ وحسب، بل بالمقاربةِ الرّشيدةِ البنّاءة التي تنبِّهُ النّفوسَ والعقولَ إلى التضامنِ وإلى ما فيه صلاحُ الحالِ سبيلاً إلى إصلاحِ الواقعِ، وطبيعيٌّ أن تكونَ على رأسِ تلكَ الثّوابتِ المناداةُ بسيادةِ الدولةِ، ودعمِ الجيشِ الوطنيِّ والقوى الأمنيةِ بكلِّ ما أوتينا من إرادةٍ، ونرفضُ تعجيزَ حكومتِكُم دولةَ الرئيس، وندعو لجعلِ الحوارَ الهادئَ طريقًا الى تذليلِ العَقَباتِ، وصولاً إلى تعزيز آليّاتِ النّظام الديموقراطي وفي مقدّمتها انتخابُ رئيسٍ توافقي للجمهورية.        
كما نستشعرُ الأهميَّة الفائقة لإيلاءِ مسألتَي العلاقات الإسلاميّة – الإسلاميّة، والإسلاميَّة – المسيحيَّةِ الكثيرَ من جهودِنا المُخْلِصةِ كي نقدِّم المِثَالَ على تفوُّقِ الرّوحِ الإنسانيَّةِ النبيلةِ على غرائزِ الصِّراعِ والتنافرِ والتي يسعى أعداءُ الحقيقةِ إلى دفعِنا إليها كما نشهدُ اليوم. إنّها مسألةٌ وطنيَّةٌ كُبرى هي في صلْبِ رسالةِ لبنانَ إلى العالمِ، ومن هنا نرفعُ الصَّوتَ عاليًا ضد الارهاب واعتراضًا وشجْبًا للأعمالِ المرفوضةِ التي يتعرَّضُ لها مسيحيّو الشَّرقِ، خاصًة في العراق، إذ نراها مناقضةً تمامًا لروحِ الإسلامِ السَّمِحِ، وللبُعدِ الحضاريّ الثري الَّذي يجبُ أن نحافظَ عليه ونثرى به.  الحفل الكريم إنَّ إدراكَنا لروحيَّةِ دينِنا الحنيفِ يصطدمُ اليوم بتحدياتٍ كبيرةٍ نظرًا لما نراهُ من استغلالِ الكثيرين لصُورةِ الدّينِ وشعاراتِه بطريقةٍ تُنافي حقيقتَه السامية. إنَّ الإسلامَ الّذي هو دينُ الاعتدالِ، ودينُ التّسامحِ والعيشِ المشترك، هوَ بالضّرورةِ إذًا دينٌ للإرتقاءِ بالإنسانِ من مزالقِ التطرُّف والنَّزَقِ والتّعصُّب الغريزيِّ الضّارِ، إلى فسحةِ النُّور التي تُضيئُها الرِّسالةُ السماويَّةُ بالدّعوةِ إلى تحقيقِ الفضيلةِ والسموِّ الخُلُقيّ، هذا يحتِّمُ علينا أن نُعمِّمَ ثقافةَ نبذِ النّزعات المذهبيّة والطائفيَّة فيما يُسيءُ إلى جوهر غاية الدِّين. إننا نقدّرُ عاليًا حضور مفتي الديار المصرية ونتوجه الى الأزهر الشريف، بما يمثلُهُ هذا الصرح التاريخي من ريادةٍ نهضوية، ورؤيةٍ تنويرية، وموقفٍ أصيل معتدل. متطلعين إلى دوره الريادي هذا للسير قُدُمًا في كل المبادرات الهادفة الى تحقيق وحدة المسلمين واجتماعهم على كلمة الخير والتوحيد. أيُّها الحفلُ الكريم إنَّنا في فَيْءِ دوحةٍ عظيمةٍ طيّبةٍ هي دوحةُ الإسلام، نستظلُّ معكُم بعونِهِ تَعَالَى بظلِّ نعمةٍ إلهيَّةٍ هبةٍ من الرّحمنِ الرّحيم. ونحنُ الموحِّدون، غذاؤنا من ثمارها، وكرامتُنا من عزَّتـها، نهِلنا المعرفةَ من الينابيع الزكيَّة التي روتْها، وجذورُنا في الأرضِ اشتدَّت بسواعدِ الأسلافِ والأجدادِ التي طالما ذادت عن حِياضها على مرِّ التّاريخ، فارتوى تُرابُ جبلِنا بدماءِ كبارِ الشهداء. ونحنُ إذ نهنِّئ المسلمين بالعافيةِ المباركة التي عليها دارُهم اليوم، ونهنِّئ وطنَنا واللبنانيّين بصوتِ الاعتدال والاتّزان المستضيءِ ببصيرة ِالإيمانِ العاقلةِ، ونُهنِّئ سماحتَه مُتمنّين له التّوفيقَ والفلاح، نعاهد انفسَنا على رؤيةٍ مشتركة لنجمعَ ونوحِّدَ ونرفعَ رايةَ القيَمِ الساميَة، والـمُثُلِ الخيِّرة، والأخلاقِ الحميدةِ التي بها كانت أمَّتُنا أمَّةَ هدًى، تأمرُ بالمعروف وتنهَى عن الـمُنكَر. ولا ننسى قولَه تعالى ﴿يَا أيُّها الّذين آمنوا كُونُوا قوَّامينَ بالقِسطِ شُهداءَ لله ولو على أنفسِكُم﴾ (النساء 135). وقال ﴿وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا﴾، ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا﴾ (صدق الله العظيم) نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يوفِّقَنا بهَديه، ويثبِّتَنا بوعدِه، ويُلهمنا بلُطفه إلى كلِّ خير، إنَّ ربّي سميعٌ مجيب.

بيروت في: 21 ذو القعدة 1435 ه.            
 الموافق 16/9/2014م.