المجلس المذهبي | مجلة الضحي
الأربعاء ٢٤ نيسان ٢٠٢٤ - 15 شوال 1445
كلمة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن بمناسبة عيد الفطر السعيد 2014

2014-07-28

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين* والصلاة والسلام على سيّد المرسلين* وآله و صحبه أجمعين إلى يوم الدّين*      

إنّ أوّل شهر صيام قام بواجبه و أدّى فريضتَه المسلمون، كان في السنة الثانية للهجرة. تَلوا القرآنَ الكريمَ بقلوبٍ صافية، و عقولٍ حاضرة، و استشعارٍ مهيب. وكانوا جماعةً كالبنيان المرصوص ﴿لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾ (النور 37). و كانوا قلّةً، لكنَّهم، بإيمانهم الحقيقيّ الصّادق، طوَّعوا العالمَ القديمَ، ناقضين جاهليّته و وثنيّـته، و حاضنين أهلَ الكتاب بما أمرهُم الله تعالى، طائعين للحق، ناصرين للعدل، ثائرين بصدور حرّة على كلّ ظلم. هكذا، بنوا لاحقا حضارةً إنسانيَّةً جامعة. وفسحةً تآلفت فيها الشعوبُ و تعارفت. و كان للإسلام وجهًا سمحًا، و مقاربةً أخلاقـيَّةً لم تزل حتّى يومنا هذا. ونحنُ اليوم، في حضرة مقاصد عيد الفطر التي أرادها الله سبحانه و تعالى سراجًا مضيئًا للنفوس، ونورًا سنيّا للعقول الطائعة. والاحتفال بعيدِ الفطر هو في حقيقته استشعار الروح واستذكار العقل وفرحُ القلبِ بنعمةٍ إلهيَّةٍ منَّ بها اللهُ العليُّ القديرُ على عبادِه مستمدين الهدى  من القرآن الكريم بما هو نورٌ للبصيرة، و بما هو هدًى للقلوب والعقول، و بما هو غذاء لطيف مبارك للأرواح الإنسانيّة التي غايتها أن تترقّى في معارج الأخلاق و العِلم و المعرفة و التحقُّق السَنيّ. والآياتُ الكريمة التي لا يكفيها ذكرُ اللسان، ولكن مسكنها الحقيقيّ هي القلب و النيَّة و خبايا الصّدور. كما نقفُ اليوم خاشعين، و في بالنا هذه الصّورة للإسلام في حقيقتِها الرّوحيّة. نقف بقلبٍ يعتصرُه الألم، متعاطفين مع أهلنا في غزَّة الجريحة، و لكن الواقفة بإباءٍ مُستمَدٍّ من قوَّة الحقّ في وجه مأساة كبيرةٍ وعميقة. و من حولها أمَّةٌ مهشّمة، تعصفُ فيها الفتن، و تهدّدها الانقسامات، وتكاد المخاطرُ الفادحة أن تقصمَ ظهرَها. وما يجعل الأمور مقلقة أكثر، غياب اي تحرك فاعل من المجتمع الدولي والعربي ومختلف المحافل الدولية لوقف حمام الدم المفتوح في المنطقة، من غزة الى تهديد الوجود المسيحي في العراق، والى نزيف الدماء في سوريا، وقد باتت الأوضاع في حالة الإنذار النهائي لانفراط المشهد الجيوسياسي في الشرق الاوسط برمّته. وما نخشاه و نجزع منه هو أن يُتَّخذَ الدِّينُ الحنيفُ ذريعةً في صراع مصالح الدول، و وسيلةً لإثارة العصبيّات التي هي أقرب إلى الجاهليَّة منها إلى روح الإسلام، بل أن يصيرَ سبَبًا للولوج في الفتن و الاقتتال في بلداننا. علينا في لبنان أن لا يقتصر تضامنُنا على المبادرات الإعلاميّة، والكلام المتواتر. يكون تضامنُنا ذي معنى إنْ أقبلنا بإرادةٍ واعية على استدراك الأخطار المحدقة بوطننا المأزوم. و كيف لا يكونُ مأزومًا و أهلُ السياسة عندنا عاجزون عن انتخاب رأس الحُكم، وذلك لغياب الارادة الحقيقية لدى القوى السياسية وعدم دعم الوسطية. والوضع الامني لا يبعث على الطمأنينة في ظل تراكم المخاطر الداخلية والخارجية التي تهدد الأمن اللبناني. إنَّ الحكومةَ الحاليَّة شكّلت بتأليفها فرصةً للمضيّ قدُمًا إلى معالجةٍ جذريَّة تصحِّحُ المسارَ الوطنيّ باتّجاه قيام الدولة بكلّ مؤسساتها لأنّها السبيلُ الوحيدُ إلى التصدّي لكلّ الأزمات العاصفة التي تكادُ تودي ببلدنا إلى واقعٍ مخيفٍ مجهول ما لم يتمّ مجابهتها بالآليّات المنتظَمة التي تحرِّك النّظامَ السياسيَّ للقيام بدوره بقوّةٍ و حنكة. ما لم ننجح بحدوث هذا الأمر، نكونُ كمن يساعدُ المتربّصون شرّا ببلدنا، علينا. أملُنا ورجاؤنا في هذا العيد بما يكتنزه من معاني المحبة والتضامن، أن يمنّ الله على القيادات السياسية في لبنان بعميق البصيرة والتبصّر لتجنّب الأهوال الشاخصة أمامنا ووقاية بلادنا من الويلات، والتوافق الفوري على إتمام الاستحقاق الرئاسي، ضماناً لبقاء واستمرارية الحياة الدستورية وفتحاً في المجال لمعالجة باقي الملفات الحياتية الملحّة في حياة المواطنين سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ومعيشياً ومالياً. إنّ الوقوفَ في رحاب الفطر السّعيد يجبُ أن يكونَ وقوفًا عند حقائق الهدى. وهذا أمرٌ يوجبُ أن تسترشدَ السياسةُ منه و تخضع له، لا أن تسخّرَه في خدمةِ المصالح المناقضةِ لمعنى الحكم الذي يجبُ يقينًا أن يكونَ عادلا و منصفًا يحقِّق مصالح النّاس و خيرَ الأمَّة. هذه هي المعاني الرمضانيَّة التي يجبُ أن نحتفيَ بها اليوم متطلّعين إلى الالتزام بها، و الذودِ عنها، واعتقادِها سبيلا إلى التّصرّف بالشأنيْن الخاص و العام. إنّ المضيّ عكس هذه الحقيقة الدامغة يوصلنا إلى المآسي و العجز إزاءها، كما يتبدَّى اليوم في كثيرٍ من شؤوننا. نسأل الله تعالى أن يهديَنا سواء السبيل. و أن يظلِّل شعوبَنا بنعمتِه و رحمتِه و إحسانه كي يعودَ إليها فيئَ السلام، منهُ السلام عزّ و جلّ و إليه السلام. كل عام وانتم بخير.

عبيه في: 1 شوال 1435هـ. الموافق: 28-7-2014 م.