المجلس المذهبي | مجلة الضحي
الخميس ٢٨ آذار ٢٠٢٤ - 18 رمضان 1445
كلمة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن في أول رمضان المبارك 2014

2014-06-28

بسم الله الرحمن الرحيم الحمدُ لله ربِّ العالَمين * والصَّلاةُ و السَّلامُ على خاتم النبييِّن سيِّد المرسَلين * وعلى آلِه و صحبه أجمعين    

 إنَّ مَثَلَ الدخولِ في رِحابِ شهر رمضان المبارَك هو مَثَلُ دخولٍ في دائرة النُّور لينظرَ الإنسانُ في أيِّ موضعٍ من الأحوال هو ماضٍ في هذه الحياة الزائلة. إنَّ النِّعمةَ التي تبدّت بشائرُها في هذا الشّهرِ الكريم هي، كما أرادها اللهُ سبحانه و تعالى أن تكون، ﴿هُدًى للمتَّـقِين﴾، ومن يرى ببصيرته إلى كلام الحقّ يُدركُ أنَّ هذه النِّعمةَ الجليلة لا يستشعرُ بركاتِها أولئك الّذي لا يتّخذون التقوى غذاءً لقلوبهم و أرواحهم. و مَن يترك للنُّور سبَبًا للنفاذ إلى صدره، سعد بقدوم هذا الشّهر بمعانيه و غاياته و دلالاته.      ولا بُدَّ لنا من أن نعودَ إلى المعنى الأصل في هذه المناسبةِ الفائضةِ البركات، قال تعالى ﴿إنَّ أكرمَكُم عندَ الله أتقاكُم﴾ (الحجرات 13)، و قال عزَّ وجل ﴿يَا أيُّها الّذين آمنُوا اتَّقوا الله  وقُولُوا قولا سديدًا يُصلِحُ لكُم أعمالَكُم﴾ (الأحزاب 70-71). و قد بيَّن رسولُ الله صلّى الله عليه وسلَّم سبيلَ هذا المنحى القرآنيّ الشريف إذ قال: "اتَّقُوا اللهَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشيَاءَهُم، وَلا تَعثَوا في الأَرضِ مُفسِدِين... لا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ على عَجمِي، ولا عَجمِي عَلى عَرَبِي إِلاَّ بِتَقوَى اللهِ... لاَ تَأتُونِي بِأَنْسَابِكُم ، وَأْتونِي بِأَعمَالِكُم ... الـمُسلمَ أخو الـمُسلم ، لا يَغُشُّهُ ، ولا يَخُونُه ، ولا يَغْتَابُه، ولا يَحُلُّ لَهُ دَمُهُ"، فأنَّى لنا – معاذ الله – أن نحيدَ عن هذا الحقّ الذي لا نقدِّمُ لهُ الدليلَ على وفائنا له إلا بأعمالنا، و صدقِ طاعاتنا، و إخلاصِنا في مسالكنا، و حسنِ استخدامِ جوارحنا، و اندفاعِنا في أعمال الخير اندفاعَ الظمآن إلى عذوبةِ الماء. و ليس الإسلامُ طريقَ خلاصٍ فرديّ بالعزلةِ عن الجماعة، بل هو يُنيرُ المرءَ ليكونَ نافعًا في أهله، و مثالًا في مجتمعه، وقوَّةً معنويَّـةً و فعليَّةً في أمَّته، و كلّ ما عدا ذلك هو ضربٌ من ضروبِ المعصية و عدم التّوفيق.    
 يُهِــلُّ الشهرُ الفضيلُ و السّاحةُ الإسلاميَّةُ تشهدُ ما يُدمي القلب، و يُثقِلُ الوجدان، بل ويتبدَّى في حقيقته فاجعةً مأسويَّـة. و بئس السياسات التي أوصلتنا إلى هذا الدرك. لذلك، نغتنمُ هذه المناسبةَ كي نذكِّر بالمُـثُل السامية التي جسَّدها الإسلامُ في حقيقتِه. و نتطلَّعُ إلى الأيّام القادمات من شهرٍ ﴿أُنزل فيه القرآنُ هُدًى للنَّاسِ و بيِّناتٍ من الهُدى و الفُرقان﴾ (البقرة 185)، نتطلَّع إليها بابًا من أبوابِ التَّوبة، و روضةً من رياض الرَّحمن، نلوذُ بها، سائلين الله سبحانه وتعالى، أن يفتحَ سبيلَ الرّشاد أمام العابثين، و أن ينزعَ من قلوبِ المتسلِّطين شهوةَ الطغيان والاستئثار، و أن يُلهمَ المُستهترين بالعدل و الرأفةِ ماهيَّةَ النِّعمةِ الإلهيَّةِ التي أشرقَ نورُها بالرِّسالةِ السماويَّةِ.    
 نتطلَّع إلى بركات شهرِ الصَّوم بشوقٍ إلى حقيقةِ الصَّوم العميقة التي أوَّلها الامتناعُ عن الأكل و الشُّرب في أوقاتٍ معلومةٍ، لكنَّ اكتمالها لا يتمّ إلا بصوْم الجوارح عن المعاصي والآثام، وصوْم القلوب عن الخبائثِ والأحقاد، وصوْمِ النوايا عن الخيانة والالتباس، وصوْم العقول والأفكار عن النزوعِ إلى الشرِّ وتحقيق الغلَبة. نتطلَّع كمسلمين يريدون الانتصار برضى الله وشفاعةِ رسولِه دون كلِّ أعراض الدّنيا وزخاريف باطلها. هذه الرّسالة الرمضانيَّة التي نفهمها ويفهمها كلُّ مؤمنٍ صادق.    
 ولكن لا بد ان  نعبّر عن القلق الممزوج بمشاعر الأسف على شغور سدّة رئاسة الجمهورية.    
وما يقلقنا أيضاً الوضع الأمني، الذي شهد عودةً للتفجيرات، إنّما عمل الأجهزة الأمنية وتحديداً في الأيام الماضية يبعث الأمل بقدرة الدولة على الحسم بوجه المخلين بالأمن وملاحقتهم، ويؤكد ما ننادي به دائماً بأن الدولة وحدها القادرة على حماية الوطن والمواطنين.      ونتوجه الى المسؤولين كافة، نناشد فيهم صوت العقل والضمير ومحبة الوطن ان يسارعوا الى التوافق على احياء المؤسسات الدستورية، وفي طليعة ذلك انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وعودة العمل في الحياة التشريعية، ونتمنى للحكومة، التي على عاتقها مسؤوليات جسام في السياسة والاقتصاد والأمن والانماء توافقاً مباراكاً على آلية عملها.       اللهمَّ سدِّد خُطانا إلى النور وسط كل الظلمات. اللهمَّ أعِد هذا الشهر الفضيل على وطننا سالمًا من كلِّ فتنة. اللهمَّ أعده على أمّتنا وشعوبنا وهي زاهية مشرقة تحت رايات العدل والتسامح. اللهمَّ نلوذُ بكَ من كلّ موبقة، ونستعيذُ بك من كلِّ شرّ، ونلجأ إليك لجوءَ المفتقِر إلى رحمتِك، فلا تأخذنا بأخطائنا، واسبِل علينا ستور عفوك، إنّك أنت الغفور الرّحيم.
بيروت في : 28/6/2014.