المجلس المذهبي | مجلة الضحي
الثلثاء ١٦ نيسان ٢٠٢٤ - 7 شوال 1445
كلمة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن في ذكرى المولد النبوي الشريف 13/1/2014

2014-01-13

بسـم الله الرحمن الرحيم الحمدُ لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيِّد المرسلين، وآله وصحبه أجمعين إلى يوم الدِّين        

قال تعالى في كتابه الكريم واصفًا رسولَه صلّى الله عليه وسلّم في سورة القلم ﴿وَ إنّكَ لَعلَى خُلُقٍ عظِيم﴾، والتّعظيمُ هنا لافتٌ، وذو دلالاتٍ كبرى، إذ خُلُقه هو القرآنُ الحكيمُ، وهو جامعُ لمكارم الأخلاق التي انبنى عليها الدِّينُ الحنيف ليكون نورًا للناس يُخرجهم من الظلمات إلى فسيح العقل والإنسانيَّة والمعرفة الإلهيَّة.      
وقال تعالى في سورة الأحزاب ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ إِسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾، والأُسوة ما يُقتدى به ويُتَّخذُ مثالا. والمسلمُ المؤمنُ الموحِّدُ لا يمكن في أيّ حال من الأحوال إلا أن يتشبَّهَ بمرآة الفضيلة الكبرى التي هي الرِّسالةُ الخالدةُ الشاهدة يوم الحساب على نفوسِ النّاس وضمائرِهم وسرائرِهم وأعمالِهم وما جنَوه في حياتهم الدّنيا.      ولا يجب علينا أن نستذكرَ معاني المناسبات الدينيّة الشّريفة بألسنتنا، وقلوبُنا معلَّقة بجاه الدّنيا وسطوةِ زخاريفها القائدة بنا إلى الغفلات ومهاوي الغرور، بل يجب أن نَعِيَها بوجداننا وبخفقات الحياة في صدورنا كي نستحقَّ نعمةَ الإسلام وتعاليمه ومقاصده الحقيقيّة الجوهريّة التي لا يمكن أن يصلَها المرءُ إلا بالأخلاق المستمدَّة مضامينها من الحُجَّة التي حملها رسولُ الله إلى العالمين. فلننظر إلى حالنا في مرآةِ الحقّ، وإلى حال أمَّتنا على ما هي عليه اليوم، ونتساءل بشجاعةِ المخلصين الصّادقين: إلى أيّ مدى نُشبهُ ما أراده اللهُ تعالى لنا أن نكون؟ هكذا، نعطي للمناسبةِ حياتَها ومعناها. والمولدُ النبويّ الشّريف هو استذكارٌ لتلك الدلالات الجليلةِ التي يتوجَّب علينا أن نستدركها بالتوبةِ والاستغفار والتواضع والمحبّة والتشبُّث بإرادة الخير كي ننهضَ بأنفسنا من سبات، وننهض بأمَّتنا من هذه المحن الرَّهيبة.    
 والمـُنكَرُ والمحرَّمات التي نهى عنها الشَّرعُ، وتأباها الفطرةُ الإنسانيَّةُ السَّليمةُ، أوْلى أن يرفضَها ذوو الطّاعة لأمر الله عزَّ وجلّ، وذلك في مستوَيَين: الخاصّ، بحيث يجاهدُ المرءُ نفسَه بردِّها عن المخالفة صونًا لها وتهذيبًا، وزكاةً وتأديبًا، كي ترقى إلى محلِّ الرِّضى والثّواب. وأكثر خطرًا من هذا هو في المستوى العام، حيث يبلغ ضررُ المخالفة عموم النّاس، وهذا وِزرٌ ثقيل يودي بالمخالف إلى الخسارة التي لا يعوّضها جاهٌ ولا مالٌ ولا سلطةٌ ولا موقع ولا كلّ ما في هذه الحياة الدّنيا.      
إنَّ المروءةَ تقضي بأن نرفضَ رفضًا قاطعًا صريحًا ما يحيطُ بنا من مُوبقات تُرتكَب باسم الاسلام، لا باللسان والقلب وحسب، بل بالأفعال والمسالك حيث يتحمَّل المسؤوليَّة في ذلك كُلٌّ بقدْر موقع مسؤوليّته في المجتمع وفي مراكز السّلطة والقرار.      
إنّ حرقَ الكتُب والمكتبات، والاستهتارَ بدماء الأبرياء، والتّخريبَ في الميادين العامّة، والاعتداءات بالألفاظ المحرِّضة، وبيدِ البطشِ والقوَّة الغاشمة، والتواطؤ في ارتكاب المفاسد وتسويغه في المرافق العامّة والمؤسّسات، وتشويشَ الحياة اليوميّة بالانفعالات العنفيّة، والعبارات الاستفزازيّة، وتخوين الآخَر ورفضه وتلبيسه ثوب الإبليسيَّة، كلّ هذا يتبرَّأ منهُ الخُلُق الطيِّب الّذي أراده لنا الرَّسولُ (ص) بأمر الله تعالى. كلّ هذا يتبرّأ منه الإسلامُ بأصالته وأصُوله.    
 لقد دعانا المصطفى الى الألفة وتوحيد القلوب، ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾، ولكنه قال أخوف ما أخاف على امتي الأئمة المضلّون.. أولئك الذين يفرّقون، ويبعثون العصبيات.      
إنَّ رعاية النّفس، ورعايةَ المجتمع، ورعاية المدينة، كلُّها يجبُ أن تخضع لقيَم العدالة والتّسامح والألفة، ومن أين لنا هذا دون بذل غاية السعي والجهد من أجل تحقيق وحدة الصفّ، واجتماع الشَّمل، في إطار مؤسّساتنا الدّستوريّة والوطنيّة والاجتماعيَّة المدنيّة، سبيلا لخلاص بلدنا وشعبنا من شرور الفتن، ومخاطر الحروب التي تُخاضُ بعيدا عن الجبهة الحقيقيَّة مع العدوّ الصهيوني الغاصب.      
في هذه المناسبة نعرب عن تقديرنا لجهود الجيش اللبناني والقوى الامنية في الحفاظ على الامن، مقدرين الجهود الآيلة لدعمهما وتعزيزهما.      
فلتكن الفرصة المتاحة اليوم أمام قيام حكومةٍ جامعة وطنية، تمنع انزلاق الأوضاع إلى ما هو أخطر، وتعمل سريعاً على إعادة الحدّ الأدنى من الاستقرار المؤسساتي، والاستقرار الأمني والاقتصادي، وتنظُر في هموم الناس ومشاكلهم، وتفتح الطريق أمام معالجةٍ حكيمة وواعية للقادمِ من الاستحقاقات المصيرية، وما أكثرها، وأهمُّها في المدى المنظور استحقاق انتخابات رئاسىة الجمهورية، تليها الانتخابات النيابية التي تبقى وحدها وسيلة اختيار الشعب لسلطاته وبالتالي العودة إلى كنف دولةٍ واعدة. إنّ تحقيق الهدف الأسمى لا يتأتّى بالتسابق اللفظيّ السّطحي بتسجيل انتصاراتٍ وهميَّة لهذا الفريق أو ذاك، بل بتقديم التعبير الوطنيّ الحقيقيّ عن الإخلاص لسلام الوطن وناسه، أي بتقديم التنازلات المتبادلة، وتشخيص الواقع بمرآة المصلحة الوطنيّة العليا، ونحمد الله تعالى أن ثمَّة في هذا البلد مَن يتمسَّك بالثوابت الأصيلة الجامعة، والمبادئ الراسخة، التي بها كان لبنان، وبها يبقى.      إنّنا نبتهل إلى الله العليّ القدير أن يمنَّ على الجميع ببركةِ التوفيق لتحقيق خير شعبنا وسلامه، ليس في لبنان وحسب، بل في سائر بلادنا العربية والاسلامية، سائلينه تعالى أن يكون مصهرُ النار هذا سبيلا إلى الخلاص والخروج إلى نعمة السّلام الذي هو في حقيقته الالتزام بالأخلاق والفضائل الخالدة التي حملها للإنسانيّة جمعاء رسولُ الأمّة وخاتم الأنبياء صلّى الله عليه وسلّم. 

 بيروت في: 11 ربيع الاول 1435 هـ.                       
 الموافــق 12/1/2014 م.