المجلس المذهبي | مجلة الضحي
الجمعة ٢٩ آذار ٢٠٢٤ - 19 رمضان 1445
كلمة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن بمناسبة عيد الفطر المجيد 8/8/2013/2013

2013-08-08

بسـم الله الرحمن الرحيم الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسّلامُ على سيّد المرسَلين وخاتم النبيّين، وعلى آله وصحبه أجمعين، إلى يوم الحقّ والدِّين      

تباركَ الشَّهرُ برسالةٍ بُلِّغت للأُمم. بكتابٍ فيه الذِّكرُ الحكيم، كمَا قال تعالى عنه ﴿إنَّهُ لَقَوْلٌ فصلٌ* وَما هُوَ بالهَزْل﴾ [الطارق 13-14]. وما فرْضُ الصّيام إلا لأجل ارتياض الرُّوح نفاذًا إلى لبِّ المعنى، وتمام الخضُوع لما أراده الله سبحانه وتعالى للإنسانيَّة جمعاء من ارتقاءٍ مُبارَك من حضيضِ الغريزة والعصبيَّة الجاهليَّة نحو يَفَاع الفكر، ويَناع الاستبصار، وسموّ العقل لتحقيق ما استطاعه العبدُ من كمالٍ إنسانيّ، وفضيلةٍ ساميةٍ، وخيرٍ جوهريّ يحاكي النِّعمةَ الإلهيَّة التي لا يجب أبدًا أن ننأى عنها بأنفسنا لا قدَّر الله.    
 وها نحن نودِّع الشَّهرَ الفضيل كلحظةٍ عابرةٍ في سياق الزّمن، ولكن ليس لنا أن نودِّعَ ما يُفترَضُ أن حصَّلناهُ من ثمارٍ طيِّبةٍ من روضةِ الحقّ، وهي الثِّمار التي في عمر الرُّوح، أيْ في الكنف الإلهيّ الّذي يجبُ أن نكونَ فيه صادِقين مُخلصِين تائبين متمسّكين بالحقّ كمَن يتمسَّكُ بنسائم الحياة التي لولاها لا رجاء لنا ولا خلاص.    
 والحقّ هو أن نخضعَ للإرادةِ الإلهيَّة، لا وفقَ ما نراه قياسًا على مصالحنا وشهواتنا، بل وفق ما هو الخير المكنون في الرِّسالة الإلهيَّة، في دَوحةِ الإسلام العظيم القائمةِ على الأمر والنَّهي، أي، من جهةٍ، على الإقبال على الأخلاقِ الحميدةِ، والفضائلِ الشَّريفةِ، والخصالِ المبارَكة لأنَّها المرايا التي تنعكسُ فيها صُوَرُ الحقيقةِ الرّبّانيَّة فيسعى الإنسانُ إليها كادحًا لملاقاتها، شوقًا وحُـبًّا واستِسلامًا واستغفارًا كما قال عزَّ وجلّ ﴿يَا أيُّها الإنسانُ إنَّكَ كادحٌ إلى ربِّكَ كدْحًا فمُلاقيه﴾ [الطارق 13-14]. ومن جهةٍ اُخرى، على الإدبارِ عن كلِّ المخالفاتِ والشّبهاتِ والمعاصي والشّرور، وعن مداخلِ الغرور والفتـنةِ والارتكابات القبيحة التي تُفسد على الحياة وجهَها الّذي أرادهُ اللهُ مستنيرًا بطاعته.      البرَكةُ الرّمَضانيَّةُ هي برَكةٌ للحياة. حياةُ المسلِم الموحِّدِ ليس في روحِه وحسب، وإنَّما في واقعِه الأهليّ والاجتماعيّ بل والوطنيّ أيضًا. هذا الارتقاءُ الّذي تحملُنا إليه برَكةُ العبادةِ هو لا بُدَّ منعكِسٌ على أدائنا، سواءٌ فيه الأخلاقيّ والمسلكيّ في الخاصّ والعام. ما لم يرتقي المسلمُ الموحِّدُ بحيث يكون مثالاً إنسانيًّا بين الجماعةِ تكونُ قد فاتَتْهُ المقاصدُ الشَّريفةُ التي لا بدَّ من أن تكون ثمرةَ الإخلاصِ وامتثالِ المعنى. لذلك، ندعو الجميعَ إلى التيقُّظِ والانتباهِ لِما هو أحقّ بالاتّباع، ولما هو أشرف وأفضل من كلّ متاعِ الدّنيا وأشراكها، أيْ إلى التّواضعِ والتّضحية، والمبادرة إلى الخير والعطاءِ قبل الاندفاع في الدّربِ الوعر للمصالِح الأنانية، والشهواتِ البدنيَّة، والنوازع النفسانيَّة نحو التملُّك والتّسلّط والاستكبار.    
 إنَّ هذا البلدَ يكونُ كما نكونُ نحنُ فِعلا. لا أحد يصنعُه لنا إلا ما تجنيه أيادينا وأفعالُنا. ولا يحتاج المرءُ إلى بصيرةٍ نافذة كي يتحقَّقَ أنَّ بلدَنا بات فوق جرف الهاوية، وكيف لا يكونُ كذلك وغالب مؤسّسات الحُكم فيه تكاد معطّلة، بل هي باتت بدلا من أن تكون وسيلةً لتطبيق العدل والإنجازات الخيِّرة للنّاسِ، أضحَت ميادينَ صراعاتٍ وانقساماتٍ وتراشق بتعطيلٍ من هنا، وشللٍ من هناك. وخيراً فعل المسؤولون في تجاوز الفراغ في قيادة الجيش حيث نرى الشعلة مضاءة بالتضحيات والعزم على تلبية نداء الواجب رغم كل الصعاب.    
في هذا العيد المبارك نسال الله تعالى ان يوفر لنا في الايام المقبلة مزيداً من الفرص للخروج ببلادنا من مستنقع الازمات الى بيادر الحلول، وان يتمكن المعنيون من مسؤولين وسياسيين من التوصل الى قواسم مشتركة، تنتج حكومة وطنية بات وجودها اكثر من ضروري الى انعاش قلب الوطن. ويجب الخروج من دائرة الشروط والشروط المضادة التي تعطل ولادتها حتى الساعة، وتستنزف الحياة السياسية والوطنية، وذلك منعاً لمزيد من الفراغ في مؤسسات الدولة. ثمَّ التقدُّم - ولا أقول العودة – إلى الحوار، بشعورٍ كامل ووطيدٍ بالمسؤوليَّة التاريخيّة، فهذا الحوار  الذي دعا اليه رئيس الجمهورية من موقعه الوطني، هو بمثابة قُمرة القيادةِ في سفينةٍ هي الآن وسط العواصف العاتية في أعالي البحار. فلا نجعلنَّ من كلِّ موقفٍ مبنيٍّ على أسُسٍ واقعيَّةٍ سببًا لتأجيج خلافٍ عقيم. لنذهبَ جميعًا بشجاعةٍ إلى الاعتراف بالوقائع والتّعامل معها من دون الأفكار الـمُسبَقة الواهِية بتخوين الآخَر أو  إلغائه.      
فاننا نحمّل كافة المسؤولين السياسيين مسيحيين ومسلمين المسؤولية امام التاريخ وامام الله في ضرورة الالتقاء حول ثوابت استقرار البلد وسلمه الاهلي، ورفع الغطاء عن كل مخل بالامن، وصون المؤسسات ومنع التعطيل والفراغ ووقف الشلل الحاصل، الوطن اليوم ينادي رجاله الكبار، الرجال الذين لا تطمس الايام معالم اثارهم ، والله لا يرد الساعين الى الخير، وهو وليّ التوفيق.      
واما حال البلاد العربية فاين هي اليوم من دعوة المصطفى الى الالفة والى توحيد القلوب؟ فابناء فلسطين على انقسامهم، ولا تطبيق لاتفاق المصالحة، والاستيطان في توسع وازدياد، ومصر غارقة في قلق كبير، والمسؤولية جسيمة على قياداتها لمنع الفوضى، وسوريا لا تزال غارقة في بركان الدماء والاقتتال ولا بوادر في الافق لانهاء معاناة هذا الشعب العربي الكبير ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.    
 اننا في هذه المناسبة نتقدم من الامتين العربية والاسلامية بخالص الامنيات واطيب الرجاء ان نرى منافذ الامل سالكة بعزائم قاداتهم نحو الخير المطلق سائلين الله سبحانه وتعالى ان يعيد هذه المناسبة علينا وعلى امتنا بالخير وعلى اشقائنا بالفرج والسلام، ان الله سميع مجيب. وكل عام وانتم بخير.
 عبيه في: 1 شوال 1434هـ. الموافق 8/8/2013.