المجلس المذهبي | مجلة الضحي
الجمعة ١٩ نيسان ٢٠٢٤ - 10 شوال 1445
كلمة سماحة شيخ العقل الشيخ نعيم حسن لعدد مجلة الضحى 7- اذار 2013

2013-03-07

رسالة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن تعزيز المؤسسات وروح الفريق ونبذ الفردية طريقنا إلى الفلاح      

 تشكّلَ المجلس المذهبي في دورته الحاليّة وفقًا لأحكام قانون تنظيم شؤون طائفة الموحّدين الدّروز الصّادر عام 2006. وهو قانون تضمن في شق منه وضع آليّات شفافة لانتخاب المجلس المذهبي بمشاركة من مختلف فئات المجتمع وشرائحه المهنيّة والاجتماعيّة والثقافية والدينيَّة، وجاء القانون بذلك ليستكمل آليات التمثيل السياسي والشعبي التي ينظمها قانون الانتخابات النيابيَّة.    
 استهدف التطور التشريعيّ في أحكام القانون المذكور توفير الأطر اللازمة لاحتواء الطاقات المتوثبة لنخبة الطائفة وتوجيه تلك الطاقة باتجاه النهوض بالمجتمع من المراوحةِ العـقيمة في مستنقع المصالح الأنانيّة النفعيّة التسلّطيَّة إلى المفهوم الفسيح الراقي للمصلحة العامَّة العليا، وهذه المصلحة الجماعية لا يمكن تحقيقها إلا بنتيجة تضافر الجهود، وتعزيز مؤسسات وأطر العمل الاجتماعيّ والتـنمويّ والفكريّ، وإرساء حسّ المشاركة والتحرك المتناغم بروح الفريق العامل بدل النزوع الفرديّ نحو الارتجال والاستئثار والتمسّك بواقع الفوضى تحقيقًا لمآرب صغيرة لم تؤتِ في يوم من الأيّام ثمرًا خيِّرًا للجماعة بقدر ما أضعفت صفوفها وأدت إلى تأخرها اقتصاديا وسياسيا.    
 إنَّ شؤون طائفة الموحّدين شاملة لمختلف وجوه الحياة وهي تمس المجتمع بكافَّة أفراده وشرائحه. لكن المجلسُ ليس بديلا عن أيّ فعاليَّة سياسيَّة عامَّة أو مهنيَّة أو (خصوصًا) دينيَّة. إنَّه واسطة من وسائط التنظيم الفاعل للواقع الذي نعيشه بكلّ ما يكتنف هذا الواقع وما يخالطه من أزمات ومشاكل وصعوبات وتحدّيات بل ومحن في بعض الأوقات العصيبة. أتطرَّقُ إلى هذا التَّوضيح لشعوري بضرورة تعميم هذا المفهوم الشامل على دور المجلس وغاياته، وتصحيح النظرة الضيّقة المحدودة بل والعصبيَّة التي تحكم عقول البعض هنا وهناك من الّذين يرون في هذا الصَّرح الكبير والأساسي لنهضتنا مضربًا من مضارب العشائر ، وحاشا لنا ولغيرنا أن يرضى بهذا، لأنَّ النوايا من دون شكّ متوجِّهة، وهكذا يُفترضُ أن يكون، نحو خير المجتمع بكليّته ومصالحه العليا ونهضته المتوخّاة.        
 بهذه الرؤية الموضوعيَّة الدقيقة قبلنا شرف العمل والخدمة في هذين الصرحيْن اللذين يتمتّعان بتمثيل مجتمع الموحّدين الدّروز: مشيخة العقل والمجلس المذهبيّ. هذا المجتمع الذي يحمل في ذاكرته التاريخيّة ووعيه الحاضر، العنفوان المعنويّ لهذه الطائفة بما فيه من إمكانات ومؤهّلات وصفات مثالية اكتسبها عبر تاريخ الموحدين السياسي المجيد وإرثهم الروحي  الكبير وتقاليدهم الحميدة.      
إنَّ من أول أهدافنا، مع ثقتنا بالقيادة السياسية الحكيمة، أن يبقى المجتمع عزيز الجانب، موفور الكرامة، عامراً بالإيمان، مستبشراً بالخير في كلّ وجهٍ ومعنى. تتآزر فيه القوى لوحدة الصَّف، واجتماع الشمل، بمشاركة جميع أبنائه وفقاً لإمكانياتهم، وعلى اختلاف مشاربهم في تبنّي رسالة مشتركة تكون الهدف الّذي يُسعى إليه بالتكاتف والتضامن والتعاضد لأجل مستقبلٍ زاهر يتجاوز مرحلة القلق والتجاذب والمخاطر الكبرى التي تتهدَّده في هذه المرحلة.    
 والمشايخ الأجلاء هم بمكانة القدوة الصالحة لمجتمع كريم أمام وجه الحقّ، بذلوا ويبذلون في الله مهجهم، وتعمّ في البرايا بركتُهم، وتعلو بالحق كلمتُهم، ولذلك، فإنّنا نربأ بقدْرِهم أن تمتدَّ في أوساطهم يدُ التفرقة البغيضة، أو يتسرَّب إلى صفوفهم ذوو الأغراض المضلِّلة، فيتسرَّب إلى صفاء القلب غرضيّات وعصبيّات ليس لها في صفحة الحقّ مكان، بل هي مشوِّشة لمرآة البصيرة، وملوِّثة لفسحة القلب والجنان.    
 اليوم، وفي هذا العصر الذي تُــشرّع فيه أبوابُ العِلم والمعرفة على مصاريعها، نرى أنفسنا بحاجة ماسّة إلى فئةٍ من أهل الثقافة الصَّحيحة، والمنهجيَّة الدقيقة الصّادقة، من الّذين حباهم الله نعمة العقل ونعمة التواضع الروحيّ الأثيل، ليتولوا مهمّة الارشاد والتوجيه في وجه أوبئة الانحلال الخلُـــقيّ وتفشّي العادات الرديئة في المجتمع، وأشدّها خطرًا الإباحة وإدمان المخدِّر على أنواعه المقيتة، وغيرها من الآفات الخطيرة التي تفتـك بأبنائنا وبالكثير من مواطني بلدنا عمومًا.    
 كذلك، فإنّ روّاد الخير العام، هم في الواقع مسؤولون عن التوجيه الممكن في محيطهم الاجتماعي، وحمايته من الانقياد وراء دعوات الباطل والتخريب التي يقف وراءها نفعيُّون يحاولون تكريس واقع خرب من أجل إثبات مصالحهم الذاتيَّة باسم المصلحة العامة. كما يحاولون تضليل بعض المواطنين بالشعارات الزائفة في سبيل منافعهم الضيّقة. إنّ من واجبات الفرد الصالح نحو المجتمع أن يتبنَّى مصلحة الجماعة التي تنتظم فيه المصلحة الخاصّة وفقا لمكوِّنات الحقّ. ومن تتوفر فيه هذه المزايا والارادات الطيبة فلا بدّ حتمًا من أن يتخلى عن الأنانية الجامحة العمياء.      
إنّ تـنمية أوقاف طائفة الموحدين الدروز اليوم ومستقبلا يدخل في صلب الرسالة المشتركة للموحِّدين بعد أن تمَّ إحصاء هذه الأوقاف، فتوضَّحت معالمُها توثيقــا، حيث تبيَّن واقعيّا أنَّ معظم ملفَّاتها رازحة تحت وطأة تركةٍ ثقيلة وقديمة (عقود ووقائع) تجعلها شحيحة الإيرادات، ضئيلة المنافع. وبعيدًا عن الغوغائيّة، وبمنأى عن الاستنقاع في مياه آسنة، تعمل لجنة الأوقاف على ترسيخ أسُس خطّة متكاملة  لوضع اقتراحات المشاريع للنهوض بها من مرحلة العوائق والإشكاليات، إلى مرحلةٍ جديدة من التطوّر والنّهوض نحو ما يجبُ أن يكون خدمة للصالح العام، كما تتبنّى مديرية الاوقاف اتّباع أساليب المحاسبة والتدقيق الحديثة.    
إنّنا في هذه المرحلة الانتقالية الدقيقة، وحتى تتمكن الاوقاف من زيادة وارداتها، ومن مواقع مسؤوليّاتنا جميعاً تجاه أسَر الشهداء والمعوّقين والمنقطعين من الأرامل والأيتام وذوي الحاجات الخاصة، لا بدَّ من أن نتوجَّه الى الموسرين والمحسنين من أهلنا لدعم اللجنة الاجتماعية في المجلس المذهبي التي تتحمَّل أعباء مواجهة كافَّة المشاكل الطارئة التي يواجهُها الكثيرُ من أفراد مجتمعنا وعوائله صحّيا وتعليميّا واجتماعيّا. وإنّنا، من موقع الاحترام للكثير منهم، خصوصًا من الّذين نجحوا وتمكّنوا بفضل الله من تحقيق الكثير بكدِّهم وسعيهم ومثابرتهم، نهيب بهم بأن يكون لهم زكاة في ما حباهم الله تعالى لهم من نِعم، لتكون تلك الزّكاة برَكة لهُم في محلّ الرِّضا والمحبَّة كما جاء في المأثور: "إنَّ الله يحبّ أن يرى آثار نعمه على عبيده"، طالبين لهم ولنا أن يأخذ الله سبحانه وتعالى بنواصينا إلى الحقّ، وإلى ما فيه نعيم رضاه، برحمته وعفوه. 
مجلة الضحى 7- اذار 2013