المجلس المذهبي | مجلة الضحي
الثلثاء ٢٣ نيسان ٢٠٢٤ - 14 شوال 1445
كلمة سماحة شيخ العقل الشيخ نعيم حسن لعدد مجلة الضحى 5- اذار 2012

2012-03-05

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين
رسالة إلى الشباب،    
 الشباب في عمر الانسان بمثابة فصل الربيع في مدار السنة. هم طاقة العزيمة والقوة والنشاط والعنفوان لذلك فإنّه يُتوقَّع منهم الكثير، فإذا كان الزّهرُ هو البشارة، فإنّ الثّمار الطيّبة هي المرجوّ من الموسم، وهكذا نرى صورة حلمنا في الجيل الواعد.      ينطلق الشباب إلى الثانويّات والجامعات تتنازعه في المستوى العام هويّـتان: الأولى حدّدها التقليد، والثانية خاضعة، لتكوين ملامحها، لعاصفة التجديد والحداثة. والتحصيل العلمي في هذا المنحى ضروري ويساعد على كسب العيش، لكنّنا نرى مصلحة المجتمع في ارتباط هذا التّحصيل بالتزام مسالك الأخلاق الكريمة، وتكوين الشخصية المتكاملة التي تجمع بين العلم وبين خصال الاستقامة والصدق وحب الخير، لأن العلم وسيلة لأجل بلوغ غاية محددة، أما اكتساب الخصال التوحيدية ومكارم الأخلاق فهو طريق السعادة الداخلية للفرد كما أنه مفتاح استقرار المجتمع ومناعته، ومن دون الفضيلة والقيم التي تدعو المثل الدينية إليها وإلى المحافظة عليها فإن المجتمع يدخل في الفوضى وفي الموبقات، وقد يجد نفسه لا سمح الله وقد انزلق في طريق الخسارة والخذلان.      
إنّ نبض الحياة يحرِّك القلوبَ الشابّة، ليس في مستواها الواقعي دائمًا، وإنّما في مستوى الطموحات والأحلام والهواجس القلقة والمشوّشة، لذلك نجد في الجيلُ الصّاعد دوما مزيجا من الاندفاع النبيل وراء المثل والطموح وبين مسالك السّلبيّة أو التجاسر على الموجبات السلوك الأساسية، ونحن نخاف إن غلبت نزعات مثل الرعونة والتمرد الطائش والسطحية أن تلقي بشبابنا إلى مزالق وخيمة تؤثر على فرصتهم في الحياة المتوازنة والسعيدة.      ومن دواعي الأسف أن نرى الكثير من الشباب ينزع إلى الركض وراء المظاهر واتخاذ البذخ وفك الالتزام بالقيم الفاضلة التي هي اساس التربية في نهج حياته ، والنظر إليها كما لو كانت تقليدا جامداً، فيندفع عندها في الأهواء الحسّيّة وينفر من آداب السّلف الصّالح. علما أن التحلل من الضوابط الذاتية وليس المجتمعية فقط هو مثل قيادة سيارة مندفعة في منحدر من دون فرامل، ولا بد بالتالي أن يقود عاجلا أم آجلاً إلى مهاوي الضّياع والندامة.      
 إنّ على الشباب أن لا يضيع الوقت باللهو والمظاهر لأن الحياة تمضي والشباب يمضي والفرص تمضي أيضا وبأسرع ما يُظنّ عادة، وكم من الشباب عاش لفترة فورة أو سكرة الأهواء، منفقا شبابه وطاقته في ما لا طائلة تحته ولا منفعة منه أو خير، ليجد نفسه بعد فوات الأوان في صحراء الفشل والنكوص وقد سبقته القافلة وأهل الجد والعمل. إن الحرية الحقيقة ليست في اتباع أهواء النفس لأنك تكون عندها تبعا لنفسك الترابية وعاملا لديها، وليس هذا الوضع المهين من الحرية في شيء وهو عكس الرجولة التي قد يتغنى بها البعض. بالعكس من ذلك فإن كل النجاح هو في السيطرة على أهواء النفس، لأن ترويض الأهواء يُشعِر الإنسان فعلا بأنه حرٌّ ويجعله كبيرا في أعين الناس، وقادرا على أن يتصدى لكل المهام والصعاب. وإنّه لشرفٌ كبير  وعنوانٌ لحياةٍ ناجحة أن يكون الشاب محترما لنفسه، عارفًا بمكانته، متبصِّرًا في شؤون حياته، نزيهًا عن الفحشاء، متدرّعًا بمشاعر النَّخوة والمروءة، متمسكاً بالصّدق والإخلاص والمحبّة والتجرّد والفضيلة.      
 أمّا أولئك الّذين اقتضت ظروفهم أن يعملوا خارج بلادهم، فإن مسؤوليتهم أصعب لأنهم يعيشون مع أسرهم وسط تقاليد تختلف غالبا عما تربوا عليه، وهؤلاء الإخوان ندعو الله أن يوفقوا في إعطاء القدوة لابنائهم والاهتمام بتنشئتهم على المفاهيم الإنسانيّة الراقية للتقاليد الشريفة، وعلى مشاعر التعلق بالأرض والقيم التوحيدية الأصيلة، لعلَّهم بذلك يحفظون في قلوب أبنائهم حبّ الوطن ويهيئونهم للعودة والاندماج مجددا في مجتمعهم وثقافتهم الأصيلة.      
وإلى المرأة الموحِّدة، التي كرّمها مسلك التوحيد بأن أوجب لها حقوقا تجعلها في مكانة مصونة اجتماعيا وإنسانيا، وتحميها من أي افتئات أو ظلم، نتوجه بالقول أنها تتحمل مسؤولية كبيرة في الحفاظ على الجماعة من خلال المحافظة والاهتمام بتربية الأولاد على السلوك القويم، ومنحهم المحبة والرعاية التي تحصنهم من الشرور المنتشرة في مجتمعنا.    
 لقد رأينا التوجه إلى الشباب بهذه المشاعر القلبية والنصح الصادق معلنين في الوقت نفسه أن أبوابنا مفتوحة وأذاننا وأفئدتنا صاغية دوما لشكواهم ولأسئلتهم وأننا نعول عليهم وعلى طاقتهم ليكونوا عامل قوة ومناعة لمجتمعهم وعشيرتهم لا عامل تفكيك أو إساءة لا سمح الله.    
 إنّنا وبعون الله نعمل من أجل الخير والارتقاء بالجميع، وذلك بما تمليه علينا ضمائرنا، ولِما ترشِدنا إليه بصائرنا في ذواتنا، وإنّ الله تعالى هو وليّ التّوفيق وهو نِعمَ الوليّ النّصير.

مجلة الضحى 5- اذار 2012