المجلس المذهبي | مجلة الضحي
الثلثاء ١٦ نيسان ٢٠٢٤ - 7 شوال 1445
كلمة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن في مناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف 23/1/2013

2013-01-23

    بسـم الله الرحمن الرحيم الحمدُ لله ربّ العالَمين، والصّلاة والسّلام على سيّد المرسَلين خاتم النبيّين، وعلى آله وصحبه أجمعين إلى يوم الدِّين    

 لنا في يوم المولد النبويّ الشَّريف وَقفةٌ أمام ما تعنيه الذِّكرى من واجب الإقرار بنعمةٍ من الله العليّ القدير عظيمة. ذلك أنَّ الإرادةَ الربَّانيَّة شاءت أن يتنزَّلَ النُّور كلماتٍ من الهدى والفرقان على نبيٍّ أمينٍ تساقطت أمام إيمانه وعزمِه صروحُ الشِّرك وعصبيّات الجاهليَّة كما ينهزمُ الظّلامُ أمام أشعَّة الشَّمس. نبيٌّ زرع في قلوبِ صحبِه وأنصاره في الإيمان، مفهومَ الأمَّة التي كانت خيرَ أمَّة آمرةٍ بالمعروفِ، ناهيةٍ عن المُنكَر. نبيٌّ كان البابَ إلى حضارةٍ يُنصفُها ضميرُ الإنسانيَّة، ويظلمها منطقُ القوَّةِ الغاشمة الَّذي يتذرَّعُ بسطوتِه كلُّ غازٍ وطاغية.      نتذكَّر بالطَّبع مآلَ الأمانةِ التي حملناها في أعناقنا وقلوبنا لنكونَ أهلاً لنعمةٍ عُظمى، فتكاد عيونُنا تذرفُ دمعًا حبيسًا لتفاقُم الشَّرّ، وتعاظُم الذّنب، واستيلاء الغفلة تحت وطأة شهوات السّلطة، والاستفراد بالرّأي، والنّكوص عن واجبات الارتقاء إلى مقاصِد الإسلام الحنيف السّامي في عصره الأوَّل حيث كان الكلُّ في القلبِ الواحد، والنّفس الواحدة، والإيمان الواحد. نستحضرُ في هذا اليوم هذه المعاني لنقل كلمتَنا براءً للذّمّة، واستجابةً لما يختلجُ في نفسِنا من ألَم. سائلين الله سبحانه وتعالى أن يلهمَنا خيرَ المسعى، وأن يوفِّقَنا إلى ما فيه النَّفع للناس، وأن يسدِّد خطانا في سبيلِ رضاه.      نسأل الله أن يُضيءَ العدلُ إرادات ممثِّلي الأمَّة في بلدنا كي يُلهَموا إلى قانون انتخابيّ ميثاقيّ وطنيّ عادل يؤكد على التنوع والعيش المشترك في إطار آليّاتٍ ديموقراطيَّة هادفةٍ تعلو فوق ارتكاسات المنازع الطائفيَّة والمصالح التي تضيق لتكونَ على قياس فئةٍ ضدّ فئة. وان طائفة الموحدين الدروز لم تحمل يوماً سوى الرؤية الوطنية لدولة ديموقراطية عادلة وهي تطالب بانشاء مجلس شيوخ تُحدد صلاحياته في القضايا الوطنية المهمة منذ اكثر من ثلاثين عاماً ، وقد أقرّه في ميثاق الطائف منذ اكثر من عشرين عاماً ولا زلنا نرى العراقيل في انشائه.      
عيبٌ أن نكونَ في لبنان بلا ذاكرة وطنيَّة تستلهمُ من تاريخنا الدّروس والعبَر، لتطرحَ جانبًا كلّ ما أدَّى بنا في الماضي إلى فجوات الاقتتال البغيض. نعم، عيبٌ أن لا نرقى، أو أن نعجز أن نرقى إلى مستوى الرؤية الإنسانيَّة ومحبة الانسان لأخيه الانسان.    
 نشدّ هنا على يد معالي الاستاذ وليد بك جنبلاط في الأهداف النبيلة التي يسعى إلى تحقيقها كمسؤول وطنيّ أصيل. أليست الخطوة المرتقبة لاتمام المصالحة في بلدة بريح الشوفية برعاية فخامة رئيس الجمهورية وغبطة البطريرك الراعي استكمالاً للمصالحة التاريخية التي ارساها جنبلاط مع الكاردينال صفير لتثبيت ركائز انصهار المبادىء الوطنية والقيم والتقاليد التي جمعت ابناء الجبل على مرّ السنين؟!    
 ولا يسعنا إلا أن نضرع إلى الباري عزّ وجلّ، بأن يُلهِم المسؤولين لدينا في لبنان للوصول إلى خلاصة ديمقراطية وعادلة بعيدة عن منطق الاستفراد والاستقواء والإلغاء ، وأن يتمكّنوا بحكمة ووعي من إنقاذ لبنان مما يصيب المنطقة من تداعيات للأحداث الدامية الدائرة فيها، وأن يلتفتوا جميعهم الى قضايا الناس ومعيشتهم.      
نقفُ، لنتطلَّعَ بقلبٍ حزين إلى صورةِ هذه الأمَّة حيثُ تُراقُ الدِّماءُ، وتُهدَمُ المدُن، ويتنازعُ الأبناءُ، وتتصارعُ الإرادات، ويتمزَّق نسيجُ المجتمعات، وتتردَّى مسالكُ القيَم والأخلاق إلى شتاتٍ وإباحةٍ في غيبوبةٍ قاتمةٍ للمروءةِ والإخلاص!    
 واننا اذ نأسف اشد الاسف لما يتوارد من اخبار عن ازدياد وتيرة القتل والاقتتال في سوريا وعن النزوح والتهجير لهذا الشعب العربيّ الابيّ ونحذر ابناءنا في طائفة الموحدين الدروز في هذا السياق من مغبة الوقوع في مكائد يسعى اليها كثيرون الى الاقتتال فيما بينهم او الاقتتال مع اخوانهم ابناء بلدهم الواحد موجهين الى كافة السوريين نداء العقل ان يُحرّموا كل اشكال التقاتل الداخلي والوقوف ضد مخططات الفتنة. ودعاؤنا أن تصل الأمور إلى نهايات سريعة تُوقِف النزيف الحاصل فيها بشراً وحجراً وتعطي لشعبها أملاً بغدٍ ديمقراطي حرّ آمن. وان يساهم الجميع في انجاز وتوفير الرؤية الانتقالية لخروج سوريا من محنتها واعادة بنائها على اسس حديثة.    
 إنَّ العدلَ بابٌ إلى صحَّة الحُكم ومقاصده، لأنَّ به تقوى هيبةُ الحاكم من دون حاجة له إلى قوَّةٍ غاشمة بالمعنى التي يخرجُها من واجب الدّفاع عن الوطن ضدّ عدوّه المتربِّص إلى مهاوي ضياع الوطن ووحدة شعبه وأرضه. والاسلام حكيمٌ وسمْح وإمكانٌ حضاريّ إنسانيّ بالغ الرّوعة، ممّا يدفعنا إلى القول بأنَّ كلّ ارتكاسٍ في أمَّتنا يعودُ إلى قصورنا عن الارتقاء إلى مستوى دلالاته الإنسانيَّة والروحيّة العظيمة. ألم يكن هذا شأن النبيّ العربيّ الكريم(ص) الّذي نهضَ مع قلَّة من المخلصين بأعباءٍ جسيمة خرج منها منتصرًا ومغيِّرًا وجهَ التاريخ برسالة الله وكلمة الحق التي لا يمكن إلا أن تكون إلا لخير الناس والبشريَّة.    
 لنكن في مستوى معاني هذه الذّكرى العظيمة، نسأل الله عزَّ وجلّ أن يعيدها على وطننا وأمَّتنا بالفرج واليُسر والخير.

بيروت في : 11 ربيع الاول 1434هـ.                                       
 الموافق  23/1/2013م.