المجلس المذهبي | مجلة الضحي
السبت ٢٠ نيسان ٢٠٢٤ - 11 شوال 1445
كلمة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن بمناسبة حلول رأس السنة الهجرية 14/11/2012

2012-11-14

بســـم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على سيِّد الرّسل خاتم النبيّين، وعلى آله وصحبه أجمعين، إلى يوم الدِّين       
 
كان من حكمة الصّحابة الأوَّلين أنِ ارتضَوا أنْ يجعلوا من الهجرة النبويَّة أساسًا للتأريخ، وهي الهجرةُ التي كانت رمزًا مباركًا لخروج المسلمِين من تحت وطأة اضطهاد المتمسِّكين بعصبيَّة التاريخ القديم، إلى رحاب الحرِّيـَّة الإنسانيَّة في المكان المنوَّر الذي شهد ولادةَ الإسلام كدولةٍ يحكمها العدلُ والحقُّ والمساواةُ بين كافَّةِ البشر.     
إنَّ امتثالَ معنى هذه المناسبةِ الجليلةِ يجبُ ألاَّ يقتصر فقط على استذكار أخبار السَّلفِ العظيم، وما قدَّموه إلى البشريَّة، بفضلٍ من الله سبحانه وتعالى ومِنَّته عليهم بالهدى والنُّور، من حضارةٍ متميِّزةٍ في أصُولها بالدَّعوةِ إلى التـَّقوى والمعروفِ والتّسامح بين الخَلق على قاعدة إتيان الخير والتمنُّع عن كلِّ ما يغذّي في النّفس طباع الشرّ والعدوان. بل ينبغي على المؤمنين الموحِّدين الثابتين الراسخين في حقائق المعنى القرآنيّ الشَّريف، أن يحتفوا احتفاءَ الأوفياء الصّادقين بما يسَّره الله تعالى لهم، بين أيديهم، من نعمةٍ ودليلِ صِدقٍ يرشدُهم إلى نهجِ الاستقامة والنَّزاهةِ والعفاف كي يستحقّوا بحقٍّ أن يكونوا (خيرَ أمَّةٍ أُخرِجت للنّاس)، وقد أكَّدتِ الآيةُ الكريمةُ على ماهيَّةِ هذا الخير وجوهرِه وهو (الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر)، والمعروف هو كلّ ما يرضي الله عزَّ وجلّ، والمُنكر هو كلّ ما يغضبه.      فما أحوجنا في أيّامِنا هذه إلى الاستنارةِ بمقاصدِ الحقّ لنقتلعَ من النُّفوسِ نوازعَ الغضبِ الذّميم والميْل إلى روح المكابرةِ والتسلُّط الأثيم، وأخلاقُ الإسلام الحنيف تأنفُ الرّوحَ العاصية ولا تستقرُّ بخيرها وبركاتها إلاَّ في الرُّوح الطّائعة المستنيرةِ بآياتِ الله. وإنـَّها لآياتٍ كريمةٍ لا يكتفي المؤمنُ منها بفعلِ التلاوةِ وبصَر الحروف، وإنَّما الغاية الاتّحاد بمعانيها كي تمتلئَ روحَه بفيضِ خيراتها فتكون له مسلكًا وسبيلاً عمليّا والتزامًا صادقًا مُعَبَّرا عنه بأعمال جوارحه، وشواهد علاقاته مع الآخَرين دون زيفٍ والتباس.     
إنَّ إصلاحَ الفرد في الإسلام هو إصلاحٌ للمجتمعِ في كلِّ حال، وبالتالي، صلاحٌ للأمَّةِ وفلاح، وعكس ذلك صحيح تمامًا بكلّ تداعياته. فهل يسلبنا طلبُ السّلطة، والافتتان بامتلاكِ الثَّروةِ دون العناية بمصدر اكتسابها، والانكباب على شهواتِ الجسدِ والنّفس المعانِدة، هل يسلبُنا كلُّ ذلك السِّرَّ الذي به كان الخيرُ لأمَّتـنا؟ إنَّ المؤمنَ الصّادق لا يرضى بهذا الانتكاس المريع، وتأبى نفسُه اللوّامة التردِّي في الإثم دون استشعارٍ وإنابةٍ إلى الصَّلاح. فلنقف في هذه المناسبة الكبيرة وقفة ضمير ومحاسبةٍ وتوبة. وكلّ سياسةٍ للنَّفس خاطئة لا بدّ من أن تثمر سياسةً خاطئة، وبالتالي، وطنا خاطئًا لا يستقرُّ فيه المرءُ على حال، ولا تطمئنّ فيه روحُه إلى مآل.         
إنَّ بلدَنا واقفٌ فوق جُرف، وهذه حقيقةٌ يعيها كلُّ مسؤول ومواطن، فإن كانت المصالحُ السياسيَّةُ تقتضي الرِّهانات والاستلحاقات بقطع النَّظر عن نتائجها الوخيمة على النَّاس، فإنَّ من واجبنا الروحيّ والأخلاقيّ أن نذكِّرَ بأنَّ ما من قضيَّةٍ مُحقَّة إنْ تخلَّى معتنقوها عن قيَم العدالة والاستقامةِ والواجب الإنسانيِّ المُلزم. ولنا أن نحملَ أمانةَ الحديث وفق ما يمليه الضميرُ وتقتضيه المروءةُ وتوجبُه روحُ المسؤوليَّة. إنَّ بلدَنا يتطلَّبُ حتميَّات المبادرةِ إلى استدراك الأمر بكلِّ جهد وإخلاص. المبادرة، لا إلى استظهار صورة الحوار، بل إلى الدخول إلى قلبِ المشاكل العالقة بنيَّةِ الاتـفاق على ما من شأنه بثّ رسالة اطمئنان إلى كلِّ اللبنانيِّين، وإن كانت ظروفُ المرحلةِ تضع وطنَنا في مواجهةِ مخاطر كبرى، فلماذا يندفعُ البعضُ إلى البحث عن شراراتٍ لاهبة من شأنها أن تعجِّلَ أسبابَ السّقوط في الفتـنةِ البغيضةِ؟     
إنَّـنا نكرِّر ما دأبنا على المناداة به من ضرورة العمل على صون ثوابت الوحدة الوطنيَّة،  فالتحديات كبيرة ومتنوعة، ويؤسفنا ما نراه واقعا من تشرذم وخطاب مشحون وتوترات متنقلة، ويهمنا انطلاقا من واجبنا ومسؤولياتنا أن نلفت نظر الجميع إلى خطورة ما بلغناه، وهو ما بات ينذر بعواقب وخيمة على كافة مكونات هذا الوطن، فالمحافظة على آليّات تفعيل المؤسَّسات الدستوريَّة، يقتضي ان نتداعى سريعاً إلى طاولة حوار جدي مثمر تعيد للمؤسسات دورها وتثبت ركائز الدولة في طليعتها الأمن والاستقرار، وتعطي للجيش وقوى الأمن الكلمة الفصل في هذا المجال، وإذا كان الحل بحكومة جديدة فليكن على قاعدة التفاهم والتعاضد، لا غلبة فريق على آخر، خصوصاً، وأن ما يجري من حولنا لا يسمح الوقوع في الخطأ.     
إنَّنا ندعو الله سبحانه وتعالى أن يلهمنا إلى ما فيه الخير لبلدنا وأمَّتـنا، ونسأله أن يرفع المحنةَ عن أشقّائنا في فلسطين وسوريا، وأن يثبِّت قلوبَنا في حقائق الإيمان طلبًا لغفرانه ورضاه.
14/11/2012
* * * *  *  * * *