المجلس المذهبي | مجلة الضحي
الخميس ٢٥ نيسان ٢٠٢٤ - 16 شوال 1445
كلمة اول رمضان 20-7-2012

2012-07-20

بســـــــم الله الرحمن الرحيم الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيِّد المرسلين، وآله وصحبه أجمعين، إلى يوم الدِّين وبعـــد،
هذا شهرٌ ليُذكِّرَ النّاسَ بنعمةٍ عظيمة، حين تنزَّلتِ الكلمةُ نورًا يبدِّدُ معناها حجابَ الجهل والنِّسيان. وكان في الجاهليَّة ما يُلهي النّاسَ عن الحقيقةِ، وما ينأى بهم عن ينابيع الإيمان والفطرة الإنسانيَّة التي شاءها اللهُ سبحانه وتعالى خيرًا لهم وبرَكة. كان ثمَّة قبائل تغزو بعضُها بعضًا، وتنافرُ الواحدةُ الأُخرى طمعًا بالمصالِح الدّنيويَّة، وتتقاتلُ بدافعٍ غريزيٍّ من حبِّ السلطةِ والرِّئاسةِ والجاه العشائريّ. وكانت العشيرةُ تتربَّصُ بالعشيرةِ شرًّا وحسدًا وطمعًا بالأثـَرة، فتقطع الطُّرُق، وتشوِّه السِّيرة، ويتنطَّحُ خطيبُها ليهجوَ ويطعنَ ويلوِّث الخواطر. هكذا، باتَ الأرَبُ الزَّمنيِّ مسيطرًا على القلوبِ والطَّبائع، وصارتِ الدُّنيا ووهم امتلاك القدرة فيها غايةً في ذاتِها، فكان لا بدّ أن يصيرَ ربُّ النّاس حجارةً وأوثانا، بل وأصنام من تمرٍ وشهوات. وشاءَ اللهُ سبحانه وتعالى أن يضربَ جدارَ الحماقةِ البشريَّةِ بكلمةٍ علَّمها لرسوله صلى الله عليه وسلَّم، قال: اقرأ ... ﴿اقرأ باسم ربِّك الّذي خلق، خلقَ الإنسانَ من علَق﴾، فكان الذِّكرُ الّذي هو آياتُ الله الباهرات وما تكتنزهُ من عظيم الحكمة والوعظِ والإرشاد والمعرفة الخفيَّة، وغايتُه إحياءُ الرّوح الإنسانيَّة من سُبات، وإيقاظ الفكر على حقيقة الوجود الحقّ، وفيه الحثُّ على الإنابة والتّوبة والعودة بقلبٍ خاشع إلى جمال الطّاعة التي من شأنها وحدها أن تدفعَ بالمرءِ إلى كمالِه وخلاصه وإدراك رُوحه الحيَّة التي بها ثواب الخُلد. حدث هذا في شهر كريم كُتِب فيه الصَّومُ على النّاس ليكون لهُم استذكارٌ وامتـثالٌ واستشعارٌ بعظمةِ هذه النِّعمة الرَّبَّانيَّة. وفي الصَّوم صحَّةٌ للجسدِ وسلامة، وأيضًا نهضةُ للرُّوح ويقظة، لأنَّه بتحرُّرها من كثافةِ الجسدِ قدر المستطاع، والّذي يكونُ على خفَّةٍ من طعام وفضول، فإنَّها تصبح أقرب إلى مشاعر الرَّحمة والتَّواضع والإيثار، فتصبحُ قريبةً في الذِّكر، متشوِّقةً إلى لطائف المعنى، وكلّ هذا يجعلها أقرب إلى استشعار الحضور الإلهيّ وطلب الرِّضا. ونحنُ نحمدُ الله تعالى على نعمةِ حلول هذا الشَّهر الفضيل لأنَّه يُذكِّر الخَلقَ قاطبة بأبواب الرَّحمة والمغفرة والتعاطف والمشاركة والتقارب الإنسانيّ الحميد. نحمده لأنَّنا بإيماننا ويقينِنا بأسرار معانيه وظواهرها ندعو الجميعَ إلى الرأفة بأنفسِهِم وبمواطنيهِم وبوطنِهم، لأنَّنا حين نستحضر ما كرَّم به اللهُ عزَّ وجلَّ بني آدم، نتساءل بحرقة: ماذا تفعلون؟ ما الّذي أودى بكُم إلى المنافرة والعناد وتوخّي القوَّة وطلب الغلَبة؟ ما الّذي يعمي القلوب عن مفهوم العدل الّذي هو روح الحكم الفالح والمثمر الّذي يحفظ لكلِّ الناس مصالحها ومنافعها؟ ما الّذي جعل السياسةَ في بلادنا تحكم على الطامحُ إلى حياةٍ طبيعيَّة بالهجرةِ بعد أن فقد إيمانه بالبلد ومستقبله؟ ألا يجبُ أن يقضَّ مضاجع الحكَّام المبادرةُ إلى الإصلاح بدءًا من الذات أولا كي تسير الأمورَ في سبيلها الفالح؟ رمضان المبارَك يجب أن يكونَ، بما يرمزُ إليه، بل بما أتى به من بركاتِ نِعم الله تعالى، مناسبةً عظيمة يجتمعُ فيها شملُ العِبادِ، وأوّلهُم المسؤولين، على ما فيه الخير والصّلاح والفلاح. ولا طاعة لله بلا نيَّة صادقة، لذا، يجبُ أن تكونَ النوايا معقودةً على بذل الجهود من أجل قيامة لبنان عبر الدّولة بمؤسّساتِها وأجهزتها وإداراتها وقبل هذا كلّه بجيشها الموحَّد القادر أمام كلِّ تحدٍّ لكيانها الجامع والمقاوم تجاه العدو الإسرائيلي الغاصب. ولا يسعُنا إزاء هذا الخضمّ الهادر الّذي يضربُ أمَّتَـنا إلا أن نبتهلَ بإخلاصٍ وخضوع سائلين الله سبحانه وتعالى أن يلهمَ القادةَ رزانة الحكم، وأن يلطفَ بالمستضعفين، وأن يمنَّ بالفَرَجِ على كلّ مظلوم. كما نسأله قبول دعائنا باستقامتنا على صراطٍ مستقيم، وأن يلهمَنا جميعًا إلى الخير، أن ينيرَ قلوبَنا لتدركَ أنَّ روحَ المشاركةِ الصّادقة هي التي من شأنها ان تنهضَ ببلادنا من هذا العبث الّذي يكاد أن يُطبقَ على مسار الحياة. وأن يحرِّكَ في ذواتنا الرَّحمة لتدركَ قبسًا من عظمات رحمته فلا ننزلق إلى ما يُغضب الله تعالى. نسأله أن يعصمَنا بحبلِ حِكمته، وحجَّة كتابه، ونعمة فضله لنكون في دائرة من يشملهم رضاه وعفوه، وما قيمة الدنيا كلّها إذا امتلكها الإنسانُ خارج رضاه وعفوه؟ لأنه بهذا فقط يستقرّ حالُ شعوبنا في حقِّهم الأكيد بحياةٍ طبيعيَّةٍ زاهرة وعادلة. وبهذا فقط، نحمي لبنان بوحدته وصموده وعيشه المشترك، وبهذا فقط يستردُّ أشقَّاؤنا نعمةَ الاستقرار باستعادةِ عوامل الوحدة الوطنيَّة وإرساء الحُكم على قواعد الإصلاح والعدالة والمشاركة الفاعلة، وبهذا يمكننا أن نرى بأفئدةٍ ثابتة رايات النّصر مرفوعةً في القدس وتراب فلسطين. 1 رمضان 2012