المجلس المذهبي | مجلة الضحي
السبت ٢٠ نيسان ٢٠٢٤ - 11 شوال 1445
رسالة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن بمناسبة عيد رأس السنة الهجرية 1433

2011-11-25

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله ربِّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيِّدِ المرسَلين، وآله وصحبه أجمعين، إلى يوم الدِّين ﴿ولْتكُن مِنكُم أمَّةٌ يَدعُونَ إلى الخَير ويأمُرونَ بالمعروفِ ويَنهَوْنَ عنِ المـُنكَر وأولئكَ هُمُ الـمُفلِحون﴾ (آل عمران 104). وقد ردّد القرآن الكريم تعبيرَ الأمّة في كثير من الآياتِ الشريفة، وهي الأمّة التي تكرّست في وجهِ باطلِ الجهل والعصبيّات القبليّة حين أذنَ اللهُ سبحانه وتعالى لرسوله r بالهجرةِ من دار الشّرك إلى دارٍ ظلّلها كتابُ الله العزيز بفَيء حكمتِه، وفَيض أنواره التي نقلت النّاسَ من ظلمةِ العيشِ الحسّي إلى فسحةِ التحقّق الإنساني في معاني الذِّكر الحكيم. إنّها مناسبةٌ خالدةٌ في صدر التّاريخ، توجبُ على المؤمِنين لإحيائها الوقوفَ أمام الحقّ بقلوبٍ خاشعةٍ صافيَة، ونفوسٍ خاضعةٍ مُقِـرَّةٍ بنعمة الله عزّ وجلّ، وبعزائمَ راسخةٍ في الشوقِ إلى الطاعةِ والعمل بما يقتضيه القصدُ الجليل. إنّ إحياءَ النّفسِ بالفضائل الخُلُقيّة، وبالأدبِ الذي يقتضي اتّخاذَ نهجِ الرّسُلِ الكرام قُدوةً صالحة، هو زكاةٌ لها وإصلاحٌ جعلهما الإسلامُ الحنيف مقدّمةً ضروريّةً لإصلاح المجتمع. فليس للسياسةِ وللحياةِ الاجتماعيّة وللشأنِ العام في الإسلام أخلاقٌ وقيَمٌ ومبادئَ مغايِرةٌ لأصولِ الفضيلةِ في الرؤيةِ الدينيَّةِ المستنيرةِ. إنّه قبل السّيف، الّذي لا بدَّ منهُ في وجه الباطلِ والعدوانِ والشّرّ المتربِّص، كانتِ السّماحةُ، وكانَ العِلمُ والهَدْيُ والرّحمةُ والعطفُ والمؤاخاةُ إلى ما هنالك من أخلاق حميدةٍ علَّمها الكتابُ لرسولِه والمؤمنين. إنّ الصِّراعَ الأساسيَّ هو لانتصار الإنسان على ذاتِه بالحقّ، هذا ما يوجبُ أن نقفَ عنده ونؤكِّدَه في هذه المناسبةِ الجليلة. يجب أن نذهبَ إلى معناها في الحقيقةِ امتثالاً للحقّ، وإخلاصًا له، ووفاءً بعهد الله سبحانه وتعالى. ولا يسعُنا نحنُ إلاَّ أن نرى السّياسةَ من منظور هذه القيَم، وهذه الرّوح السّاميَة. لذلك، نرى من الضّرورة العودة َفي لبنان إلى الفسحة المشترَكة التي نراها مُمكِنة مهما اشتدّت العواصفُ وادلهمّت الآفاق، بل بسببِها يجب أن نسعى إليها سعيَ المحتاج المضطر. ولا نراه من حتميّة الأقدار أن تفقدَ الدولةُ توازنَها في المرحلةِ الصّعبة التي تحملُ في طيّاتها أشدَّ الأخطار. ودعوتُنا ثابتة إلى اللقاء والحوار ودعم مؤسّسات الحكم ومسار الدولة، والحدّ من الجنوح نحو الانفعالات التي لا طائل منها. ففي الظروف المعقّدة جدّاً للتطوّرات الإقليمية والدوليّة، علينا أن نتشبّثَ بما يجبُ أن تُعلِّمنا إيّاه ثوابتُ العبَر في تاريخِنا المثقَل بالمآسي. ومهما يكن من أمر اتّخاذ المواقف دفاعًا عن هذا الرّأي أو ذاك، فإنّه يجب أن نعيَ بموجِب الحفاظ على وحدة وطننا ونسيجه الاجتماعيّ أن نتفهّمَ الوقائع التي لا مناصَ من الإقرار بها، وأوّلها تربّص العدوّ الإسرائيليّ ببلادنا وأمّتنا شرًا، ما يوجبُ الحفاظَ على روحِ المقاومة ومنعتها. وثانيها هو الضرورة الحيويّة لوجود عوامل التماسُك بين المكوّنات الوطنيّة بالرغم من كلّ مخاطر الوقوع في هاوية الانقسام والفوضى. هذا يفرضُ دعم الجيش اللبناني ليس فقط كقوّات مسلّحةٍ تقوم بواجب الدّفاع عن تراب الوطن ووحدته، بل كمؤسّسةٍ جامعة هي بمحلّ نواة القوّة والمناعة لتماسُكِ الدّولة والشعب بكلّ فئاته. كما أنّ منعةَ مؤسّسات الدّولة جميعها كفيلةٌ بالحدّ من خطورة الصعاب الكبرى التي تواجهنا، ومنها كيفيّة التعامل مع الوضع الدوليّ بقدرةٍ فائقةٍ ومسؤوليّة كبيرة. وإذ نوجِّهُ نداءَنا إلى قادةِ البلاد لدعوتِهم التبصّرَ بعواقبِ الأمور، والسيرِ بالملفّاتِ المستحقِّة بما يُحقِّقُ الوحدةَ الوطنية والعدالة، وإبعادنا عن أتون الفتن، فإنّنا نُهيبُ بهم العملَ على تجنُّبِ عزلِ أيّ فئة لبنانية لأخرى، وهذا يُوجِبُ العودةَ لروحِ الميثاقِ الوطني "الطائف" بما تضمَّنَهُ من إصلاحاتٍ طالَ أمدُ انتظارِ تطبيقِها، وهي حجرُ الأساسِ لبناءِ قوانين حديثة عصرية، وفي مقدِّمها قانون الانتخاب، قبل إغراقِهِ في نسبيةٍ نُريدُها خاتمةً لمسارٍ إصلاحيّ، لا وسيلةً لإقصاءِ أحدٍ في بلدٍ يقومُ على نموذجٍ تعدّدي فريد. نسأل الله سبحانه وتعالى أن تستقرَّ أوضاعُ بلداننا الشقيقة بما يحقِّق مصالحَ شعوبها وتطلّعاتهم إلى الغد الأفضل. كما نسأله أن يوفِّقَ القادة في فلسطين في مسيرتهم نحو الدولةِ والحرِّيَّة. ونسأله أن يحفظَ بلادَنا وشعوب أمّتنا بجاه بركةِ هذه الليلة المباركة ومعانيها السامية، إنّه وليّ الأمر والتوفيق.
بيروت في: 29 ذي الحجة 1432هـ. الموافق: 25/11/2011م.