المجلس المذهبي | مجلة الضحي
السبت ٢٠ نيسان ٢٠٢٤ - 11 شوال 1445
رسالة الاضحى 2011

2011-11-05

بسـم الله الرحمن الرحيم الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصّلاة والسلام على سيّد المرسلين، وآله وصحبه أجمعين، ومن تَبِعَهُم بإحسان إلى يوم الدّين المؤمنُ اليوم مقبِلٌ بالإجابةِ على أمر الله، مردِّدًا في قلبه فعلَ التلبية، وطالبًا في رحاب البيت العتيق من ربِّه المغفرةَ وحُسنَ الختام. وهو إذ يقفُ لأداء الشعائر المتبقية من رحلته المباركة، وفيها غاية القصد، تراه متدرِّعًا بلِباسِ التّقوى، مستشعِرًا معاني إيمانه، مستغرقًا في لطائف حميد الذّكر، ومتيقّنًا ممّا أراد اللهُ سبحانه وتعالى له من خيرٍ وإنابةٍ عندما وَطّأ لنبيِّه إبراهيم(عليه الصلاة والسلام) مكانَ البيت، وأمره ببنائه وتطهيره من الآفات والرِّيَب والشِّرك، ثمّ قال تعالى ﴿وَأذِّن في النّاسِ بالحَجِّ يَأتُوكَ رجالاً وعلى كلِّ ضَامرٍ يأتِينَ من كلِّ فَجٍّ عَميق﴾. إنّها دعوةٌ تُسدِّدُ سعيَ الإنسان إلى الخير الَّذي هو الغايةُ الشَّريفةُ التي أوجده اللهُ عزَّ وجلَّ لها ليجهدَ في تحقيقِها بصفاءِ قلب، ونقاء ضمير، وعُلوّ هِمَّة. والدِّينُ الحنيفُ إذ يدعو إلى تعاضدِ الجماعةِ، وائتلافِهم حول كلمة التّوحيد، يكون بذلك قد أرسى قاعدةَ العدل الَّتي لا يقومُ مجتمعٌ ناهض إلاّ على حجَرِ أساسها. ونحنُ، بما يُمليه علينا واجبُ الطّاعة، لا يسعنا إلاّ أن ندعو دائمًا إلى امتثال أمر الحقّ، والرّضوخ بخشوع إلى ما تفرضُه علينا المُثُل الحميدةُ من واجباتٍ تجاه ذواتِنا، وتجاه مجتمعنا وأمّتنا. إخواني، عندما نسأل الله تعالى في هذه الأيّام الكريمة أن يجمعَ شملَنا في ظلِّ رضاه، فإنّ هذا يعني أن نستحقَّ القبول عند كريم حليم، جبّار قويّ. واستحقاقُه يوجبُ علينا السَّعيَ الدائم واليقِظ إلى تهذيبِ الجوارح، وإصلاحِ الأعمال وفقَ مقاصِد الآيات، وتطهير الجَنَان من كلّ ما يخالف الحقّ. إن الموحِّدَ لا يسعُه أمام مرآة الحقّ إلاّ أن يصدعَ لأمر الله بالخشوع والتواضع ومذلَّة النّفس، وهذا حتمًا ينعكسُ على كلّ سلوكيّات الموحِّد في مجتمعه وقريته ومجلسه وداره. إذّاك يكون عيدُنا العيد بالمعنى الروحانيّ الّذي نصبو إليه، ونتطلّع إلى تحقيقه. إخواني، إنّ التّصدّي للمشاكل التي يرزحُ تحتها مجتمعُنا في مجالاتٍ عديدةٍ، لا يمكنُ أن يؤتي ثمارَه الناجحة في واقع الفُرقة وشتات الإرادات. إنّ الاختلاف في وجهات النّظر لا يجبُ أن يكون ذا آثارٍ سلبيّةٍ على آليّات العمل الاجتماعي، حيث أن مصالِحَ المجتمع الأساسيّة يجب أن تكون بمنأى عما يَعتَورُ ميدانَ السّياسة من تجاذبات. إن مصلحة المجتمع يجبُ أن تكون الهدفَ الأسمى لسعيِنا الدؤوب في سبيل نهضته وازدهاره وإزاحة وطأةِ الهموم عن كاهِل النّاس الّذين ينتظرون منّا إنجازات تردّ إليهم بعضًا من حقوقهم علينا. إنّنا من جهتنا لا نرى سبيلاً قويمًا في هذا الاتّجاه السّامي إلاّ عبر التكاتف حول المؤسّسات لتدعيمها، وتعزيز عملها، وترسيخ آليّات مسيرتها على قواعد القانون والشفافية، والانتقال من الفردانيّة في هذا المجال إلى روح الفريق الفاعلة التي تفتح نوافذ الحياة والعمل المنتِج أمام شبابنا الّذين يترقّبون مِنّا الأمل، وتحقيق بعض ما تصبو إليه أحلامُهم وآمالُهم بغدٍ واعِد، ومستقبلٍ مشرق. إنّ تضافرَ الجهود من أجل الخدمة في الحقل العام، والعملَ على تحقيق الانجازات التي تنفع الناس، هو القاعدة التي بها نُوفَّقُ إلى غاية الخير الذي نريده جميعًا. لكنّ هذا، يفرضُ علينا موجِبات الالتزام الصادق، والشعور بالمسؤوليّة من باب المحافظة على جوهر التعاليم السامية. ويقينُنا أن لا أمر يعرقلُ إرادة الخير إلاّ التشبّث بالمصالح الضيّقة، والرّكون إلى عصبيّة الأنانيّة والتقوقع، وعدم الاكتراث بواقع التّشرذم والشتات، والاستسلام أمام الأمر الواقع الذي يُهيِّئُ عواملَ التفرقة والنّفور، وما اصعب الغربة بين الاهل والاخوان. هذا ما يأباه ضميرُنا، وما تأنفُ منه مشاعرُنا، لأنّه يناقضُ مبادئَ أساسيّة هي بمثابة الأصول في تراثنا الأثيل. نحنُ نريدُ أن نقفَ أمام معنى العيد بقلوب خاشعة وَجِلة مستشعرة بأنَّ القربانَ الحقيقي الذي يتقبّله الله سبحانه وتعالى هو التضحية بحظوظ النّفس من أجل الخير العام، وبذل ما تنزع إليه أهواء النّفس في سبيل خدمة المصلحة العامّة، والخروج من الحيِّز الضيِّق للنظرة الفرديّة إلى فسحة الحق. إنّ سموَّ التّوحيد يوجبُ علينا أن نرتقي إلى هذا المستوى الرّفيع من السلوك، إلى هذا المعراج الإنساني النبيل. نحنُ نعمل ما في وسعنا بهذا الاتّجاه، لهذا، نبادلُ الجفاء بالمحبّة، والنفور بالألفة، والأقاويل المغرضة بالانكباب على ترسيخ سكّة العمل المنتِج ذي الهويّة الجامعة. نسعى لتكون ذمّتُنا براء أمام الواحد الأحد، وضميرُنا في سكينة مَن عمِل واجبَه وفق الطاقة. ونحن في المجلس المذهبي ومشيخة العقل نؤكد حرصنا الشديد على جمع الشمل ووحدة الحال بروح الرعاية المخلصة والمسؤولية العاقلة تجاه جميع أبناء الطائفة في كل مكان، ونتطلع بشوق الى تحقيق رؤية حضارية متكاملة بما يحقق طموحات المخلصين والمتطلعين الى مستقبل مشرق لابناء طائفة الموحدين الدروز. ان ما تشهده المنطقة العربية بشكل عام، يبعث في نفوسنا الأمل والقلق على حدّ سواء، فالأملُ بأن يتمكّن العرب جميعاً من تثمير طاقات أجيالهم الشابّة وصولاً الى تحقيق العدالة لمجتعماتهم عبر انظمة يعمُّها الأمن والاستقرار والعدل والإصلاح والحوار، بما يوفّر فرصاً حقيقية لتفعيل العمل العربي المشترك حول القضايا الملحّة، وفي طليعتها قضية فلسطين التي تتعرض لمحاولاتٍ إسرائيلية للتصفية عبر الاستيطان والتهويد والضغوط والقتل والعنف. أمّا القلق فهو من مغبّة استمرار الأوضاع المؤسفة واستفحال دوامة العنف وسقوط الدماء، ما يُنذِر باحتمالات خطيرة وهو ما لا نريده ولا يريده الحريصون على المصلحة العليا للشعوب العربية الشقيقة وعلى مصالحها ونهضتها الحقيقية. وفي لبنان، يحدُونا الأمل مع إطلالة هذا العيد المبارك بأن يبادر السياسيون والمسؤولون كلّ من موقعه لبذل التضحيات في سبيل الالتقاء على طاولة الحوار لحلّ كافة الخلافات بعيداً عن لغة التخوين والتصعيد والمنافرة التي سئمها اللبنانيون، وأن يتمكّن المسؤولون من إيجاد السبل الناجعة لإبقاء لبنان على علاقة طيبة مع جيرانه وأشقّائه العرب ومع أصدقائه في المنطقة والعالم، وأن يعكفوا على درس السبل الآيلة لإبقاء لبنان في وضع سليم هادئ، يُبعد الفرقة بين ابنائه، وأن يثبّتوا قوة لبنان ومنعته بوجه العدو الإسرائيلي بما يعنيه ذلك من ضرورة قصوى لتعزيز تسليح الجيش اللبناني، فانه ما بقي احتلال الارض قائماً وجبت المقاومة وبقاؤها، وأن يبحثوا عن الطرق الشفافة لاستثمار ثروات لبنان الطبيعية والمحافظة عليها، وأن ينكبّوا في الوقت عينه لايجاد الحلول الناجعة التي تكفل معالجة شؤون الناس الحياتية الملّحة نظراً لتفاقم مشاكل اوضاعهم المعيشية. وفي جميع الاحوال على الدولة اللبنانية وأجهزتها المسؤولة أن تقوم بواجباتها في حفظ الأمن بشكل حازم. نسأل الله تعالى أن يجعلَهُ عيدًا مُبارَكًا، ونتوجه إلى إخواننا في الإيمان والإسلام وجميع اللبنانيين بأطيب التهاني في هذه المناسبة الدينية المقدسة، آملين أن ينقضي العيد على اللبنانيين والعرب والمسلمين بكل خير وقد أخذ معه ما يقلقهم، ويُثبّت عيشهم المشترك مسيحيين ومسلمين وان يحفظ لبنان وأمّـتنا من كل شرّ مبين، أعاده الله عليكم بالخير واليُمن والبركات. انه سميعٌ مجيب.
بيروت في : 9 ذي الحجة 1432هـ. الموافق في: 5/11/2011.