المجلس المذهبي | مجلة الضحي
الخميس ٢٨ آذار ٢٠٢٤ - 18 رمضان 1445
كلمة إفطار رمضان 2011

2011-08-22

بســـم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين الصّلاة والسّلام على خاتم النبيين وسيِّد المرسلين، وآله وصحبه أجمعين السلام عليكم ورحمة المولى وبركاته،
فخامة رئيس الجمهورية ممثلاً بدولة رئيس مجلس الوزراء، دولة رئيس مجلس النواب، سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية،ممثلي اصحاب الغبطة والسماحة، سماحة رئيس المجلس العلوي، أصحاب المعالي والسعادة والفضيلة والسيادة. الاخوة الحاضرين، الحمد لله الذي جعل هذا الشهر الفضيل سبباً للاستشعار بالايمان والتقرب الى الرحمن، وبوركَت هذه الأيّامُ بالرَّحمةِ الكبرى التي مَنَّ اللهُ تعالى بها على عِبادِه، فعلَّم رسولَه ما لم يكُن يعلم، وكان فضلُ اللهِ عليهِ عظيما، حين أتاهُ جبريلُ عليه السلام بالحقِّ، فنزَّلهُ على قلبِهِ بإذن الله تعالى، هدًى وموعِظةً وفرقانًا ، حيث قال عزَّ وجلّ ﴿وهَذا كِـتابٌ أنزلناهُ مُبارَكٌ فاتَّـبِعُوهُ واتَّـقُوا لَعلَّكُم تُرحَمُون﴾ (الأنعام: 155)(صدق الله العظيم). إنّ معالِمَ الرِّحلةِ الرمضانيَّة أرادها تعالى لخير العالَمين بالتّقوى، ولكراماتهِم بالطّاعة، ولفوزِهم الأعظم باتِّباع الحقّ واجتناب الباطل. أيها السادة الكرام، كدأبنا في كل عام نلتقي بفضله تعالى مع هذا الجمع الفاضل من الوجوه الوطنية احتفاءً بشهر اليمن والخير ،تظلِّلَنا البركَةُ في دارَتِكُم، دارِ طائفة الموحدين الّذين كانوا ولا يزالوا يذودون بأرواحِهم عن روضةِ الدين الحنيف، ويجاهدُون لارتقاءِ معراجِ المعنى، ويثبُتون بقلُوبِهِم على كلمةِ الله. دارتُكُم التي تزداد عزماً بتشريفكم اليوم، سيبقى صوتُها بإذن الله داعيًا إلى الأُلفةِ والوحدةِ والرُّوحِ الميثاقيّة، اقتِداءً بثوابتِ السّلف، واستِلهامًا من دروسِ التّاريخ التي إن لم نقرأها بعقلٍ ثاقب، وبصيرةٍ نافِذة، نخسرُ قدرتنا على حِفظِ لبنان الدولة والكيان. وما رمضان المبارَك إن لم ينفذ شعاعُ نوره إلى الأفئدةِ والبصائر؟ إنَّ خيرَ التّقوى ما انقادت به النَّفسُ إلى رحابِ نعمةِ الله ولطائف حكمته. إنّه دعوةٌ لاستبصار حال النّاسُ في برَكاتِ الصَّوم، وعلى صفاءٍ من نوايا التوجُّه إلى رضَى الله وطاعتِه. ثمّة لحظاتٍ في التاريخ توجِبُ على كل مسؤول في موقع المسؤوليّة أن يُقدِم على خطوات تاريخيّة. فكلما تخطى اللبنانيون معضلةً وجدنا أنفسنا أمام استحقاق اشد وأدهى خطراً على المستقبل، يفرض تحدياتٍ وطنية مستجدة نظراً للانقسامات السياسية القائمة والذي تتطلب جهوداً مستمرة لفتح آفاق التوافق والحلول، خوفاً من الوقوع في دوامة الفوضى والفتن. ان اللبنانيين مدعوون جميعاُ لتثبيت تمسكهم بنظامهم الديموقراطي الذي يستطيعون تحت سقفه معالجة كل خلافاتهم السياسية ومدعوون لعدم هدم صيغة المشاركة الوطنية التي ارساها اتفاق الطائف والذي يجب استكمال تطبيق كافة بنوده. فرأسُ الدّولةِ والمخلصون معه هم نواة الخير المشترك عبر التمسك برسالةِ الحرِّيةِ والحوار. ومن جهة أخرى، إنّ القمَّم الرُّوحيّة بدءاً من القمة الاسلامية في داركم تاريخ 28/11/2006 الى القمة الروحية اخيراً في بكركي تمسّكت بالصّيغة اللبنانيّة، والمبادئ الكيانيَّة، وثقافةِ الحوار، والاحتكام إلى المؤسّسات الدّستوريَّة، والثّباتِ على القيَم الإيمانيَّة... علماً اننا متفقون أنه وجب على كل وطني ان يقف الى جانب الجيش والمقاومة للدفاع عن لبنان ضد اي عدوان اسرائيلي قد نتعرض له. هذه كلُّها ثوابت تعبِّرُ عن تطلّعاتنا نحو وطنٍ مستقرّ ومزدهِر. ايها الافاضل، إننا في هذا الشهر الفضيل نستذكر قول الباري عزَّ وجلّ: "وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ"، نتوجّه بالدعوة المخلصة إلى القيادات اللبنانية كافة، من سياسيين ورجال دين ومتعاطي الشأن العام على اختلافهم، أن يضعوا نُصب أعيُنِهم وفي هذه المرحلة الدقيقة من عمر لبنان والمنطقة، تحصين وحدتنا الوطنية، وتثبيت اللُحمة الإسلامية والعيش الواحد الإسلامي المسيحي، وتحكيم العقل وتحمّل المسؤولية الوطنية الكبرى لكي يبقى لبنان النموذج الذي نريده في تظهير الصورة الحقيقية للتعايش السلمي بين المذاهب والأديان، وفي التلاقي الصادق بين المواطنين على اختلاف مشاربهم ومعتقداتهم. وهنا لا بدّ لنا منَ التّحذير من أخطار التدخّلات الخارجيَّة التي لو أقامت فيما مضى وزنًا لحرّيَّة الشعوب لما كنّا ابتُلينا بزرع كيان عنصريّ في قلب منطقتنا العربية، وهو زرعٌ أثمر ويُثمرُ كلَّ الشّرور. في هذه الأيام المباركة التي أنزل الله فيها هديه للعالمين قرآناً كريما، نردّد قوله تعالى: "وإِذَا حَكَمْتُم بينَ النَّاسِ أنْ تحِكِمُوا بالعدل"، فالعدلُ والعدالة لا بدّ أن يسودا، والخير هو الروح التي ننشدها في نفوسنا جميعاً، ولكي تكون العدالة هي تلك الحقيقية التي نرمي إليها وجَب أن تستند في أحكامها إلى المصداقية أولاً وأخيراً وأن لا يدخل في مساراتها أي تشويه. وعن رسول الله (صلعم): القضاة ثلاثة قاضيان في النار وقاضٍ في الجنة. (رجلاً علم الحق وقضى به فهو في الجنة ورجلُ قضى للناس على جهلٍ فهو في النار، ورجلُ علِمَ الحق وقضى بخلافه فهو في النار). وإنّنا ومن موقعنا الديني والرسمي في طائفة الموحدين الدروز، نُجدد في هذا الشهر الفضيل تمسّكنا بمبادئ وقيم الدين الإسلامي الحنيف، ونُعلن تكراراً بأن الموحدين الدروز ومهما كانت اوضاع لبنان يقفون دوماً الى جانب قضايا وطنهم وليسوا أصحاب مشاريع سياسية ولا طُلاَّب خصامٍ مع أحد، ولا نبتغي من الدنيا سوى العيش بحرية وعزّة وكرامة وطمأنينة ومساواة، فهي ليست إلا الطريق إلى آخرةٍ ندعو الله أن يجعلها لنا ولكم موفورةً بالثواب والنعيم. إنّ ما يشهده عالمنا العربي في هذه الأيام من متغيرات وتحولات تتطلّب التعاطي معها بروية ووعي على مختلف المستويات، لأننا ننشد الخير والسؤدد للدول العربية الشقيقة، وفي طليعتهم سوريا ، ونسأله تعالى أن تخرج سوريا من الأزمة التي تعيشها اليوم أكثر قوّة ومناعة، لما لذلك من انعكاس على واقعها بالذات وعلى لبنان الذي تربطه معها روابط تاريخية من علاقات الأخوة والتعاون والتعاضد بين الشعبين والبلدين. كما ان القضية الفلسطينية تمر بمرحلة دقيقة لجهة قيام الدولة الفلسطينية وتثبيت الحقوق المشروعة وهذا لا يتحقق الا بوحدة فلسطينية خالصة وبدعم عربي حقيقي وواضح يوقف صلف العدو الاسرائيلي وطغيانه. أيها السادة الافاضل ببركة هذا الشهر الفضيل نسأله عزَّ وجل ان يُلقيَ في نفوس الجميع، روحَ التعاونِ والتصافي والإخاء ، وان يُلهمَهُمْ الى اعلى مراتبِ التضحيةِ واستشعارِ نعمة الخير، ليكونوا بفضلِه ورحمتِه وعونِه منقادين إلى ما فيه صلاح النّاس وخيرهم، ليَسْهُلَ عليهم مهمة الحفاظ على صرحِ هذا الوطن ونيله المرتبةَ الاولى من والمجدِ والازدهار، كما نسأله تعالى ان يُسَهِلَ امامَكُم سبيلَ تأمينِ المشاريعِ البنّاءة الخيرة في حقول التنميةِ والأمن والكرامةِ الوطنيّة والرَّفاه الاجتماعي لابناء هذا الوطن العزيز. إنه هو السميع العليم. وكل عام وانتم بخير.
بيروت في: 22/8/2011