المجلس المذهبي | مجلة الضحي
السبت ٢٠ نيسان ٢٠٢٤ - 11 شوال 1445
خطبة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن لمناسبة عيد الأضحى المُبارك للعام 2010

2010-09-20

خطبة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن لمناسبة عيد الأضحى المُبارك للعام 2010

 
أم سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الشيخ نعيم حسن صلاة عيد الاضحى المبارك في مقام الأمير عبدالله التنوخي في عبيه، بحضور عدد من الفاعليات الروحية والزمنية وحشد من رجال الدين. بعد الصلاة ألقى سماحته خطبة العيد وجاء فيها: "الأضحى دعوة إلى القرب من الله تعالى بتقديم قربان الطاعة والرضى والعمل الخالص لوجهه الكريم. لذلك هو في الحقيقة دعوة الى القيام برحلة لملاقاته بقلب خلا الا من الانس به. قال تعالى (يا ايها الانسان انك كادح الى ربك كدحا فملاقيه) الانشقاق 6. وقال عز من قائل (وإذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر ياتين من كل فج عميق) [الحج 27]. ان غاية هذه الرحلة المباركة هي التسليم لارادة الله تعالى ويعبر عنه صباح العيد بالنحر، واجله ما يتقبله عز وجل من عباده الطائعين. قال تعالى (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم) [الحج 37]. والتقوى يراد بها الاخلاص في الطاعة، والاحتراز من نوازع المعاصي، وصيانة النفس عن الهوى المائل بها عن نعمة الحق والهداية، والمحافظة على آداب الدين، وقيل هي ترك حظوظ النفس ومباينة الهوى. فاذا ادرك العبد بصيرته فحوى حكمة الله من هذه المناسك، لتيقن انه لا بد له، في كل لحظة، ان يبذل ما في الوسع والطاقة وصولا الى صفاء القلب من الأكدار، وتنقية أعمال الجوارح من الاوزار، والسعي بالشوق والمحبة الى اقتباس لطائف الانوار، ولا يتم له هذا الا باستشعاره سر الاضحى ومقاصده السامية. إن المؤمن الموحد ليأنس بالله وبأخيه في الله لتكون ثمة الفة ومشاركة روحية. فالاخ للآخ، في هذا المعنى، سند وعضد، يشد به ازره ويحصن بمحبته دينه ويقوى معه وبه على فعل الخير، ويستكمل بالمحافظة عليه ايمانه ممتثلا الحديث الشريف "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى". علينا ان نرتقي بعقلنا ومسالكنا الى الحد اللائق الذي يحقق في ذواتنا ثمرة الفضيلة. فلا شيء في هذه الحياة الدنيا يضاهي جمال الحق واتباعه فيما يرضي الله استجابة للغاية الشريفة من رسالته التي أداها الرسل المنتجبين صلوات الله عليهم. ان اتباع الحق هو الخير الاعظم لذات المرء، خصوصا لكونه عضوا في المجتمع فيعم النفع ويتأسس الاصلاح. علينا بهذا النور ان نشهد للقيم الاخلاقية النبيلة، ونعطي المثال الصالح في الصدق والخير والعدل والمحبة والاتزان، وفي الحلم والتواضع والايثار والكرم، وفي التقوى والحياء وبساطة الروح والعمل الصالح. واعتقادنا انه لا يصح اصلاح اجتماعي، ولا تترسخ منعة انسانية خارج حقل الشهادة الروحية والعملية لتلك القيم. هذا معنى من معاني الاضحى على المؤمن الموحد ان يحققه في ذاته وفي سائر سكناته وحركاته، تحقيقات للغاية من وجوده، وتجسيدا لسمو تلك القيم فوق كل انانية. وآمالنا في ان يؤثر هذا الموقف الاخلاقي ايضا في اداء كل من يتعاطى الشأن العام، وكل من يتقلد مسؤولية خدمة الناس والعمل على تدبير شؤونهم بما يمليه الواجب والعدل والضمير. وفي هذه المناسبة تنقضي اربعة اعوام على مسيرة المجلس المذهبي ومشيخة العقل، اجدد الدعوة الى الصفوة الافاضل في طائفتنا الكريمة، لتكون عونا لنا، من اجل جمع الشمل وحفظ الكيان، والسعي الى الافضل في مجتمعنا التوحيدي وتطويره. ان تنمية الاوقاف وازدهارها هي امانة نحرص عليها لخدمة ابناء طائفتنا جميعا من دون استثناء. وان ما يشاع وما يقال من هنا وهناك لن يؤثر على نيتنا الصافية في ممارسة واجباتنا وعزيمة التضحية لخدمة اهلنا ومجتمعنا. ولا يسعنا، من حيث التزامنا الروحي والانساني، الا ان نناشد مختلف القيادات في وطننا العزيز بأن يستلهموا معنى التضحية لمقاربة الوضع الدقيق الذي يهدد بلدنا بما تتعوذ بالله ونستغيثه من حدوثه. إننا نهيب بالجميع التزام الهدوء واجتناب العنف الكلامي الذي يزيد في احتمالات التصادم وتعميق الانقسامات والضغائن في النفوس. وهل يغيب عن بال احد منهم ان اجواء التصعيد مخاطر تهدد الوطنية، وتدفع باتجاه تفكك الدولة، وتنذر بإقحام لبنان في لجج الفوضى والانحلال؟ وهل من الضروري التذكير بان في هذا المنحى - لا سمح الله - خدمة كبرى للعدو المتربص بالبلد وشعبه وجيشه ومقاومته، لا بالترصد الاستخباراتي والمعلوماتي وحسب، بل بكل امكان عملاني؟ ان من اول اسباب القوة التي يجب ان نتحصن بها ضد كل اعتداءات او مؤامرات هو العمل الدؤوب والجاد والصادق من اجل تمتين الجبهة الداخلية وتحصينها وحمايتها بالوحدة الوطنية القائمة على دروس التاريخ وعبر الأزمنة. نغتنم هذه المناسبة لنتضرع الى الله بأن يصلح احوالنا ويجمع صفوفنا ويقرب بيننا حتى نعود صفا واحدا في حماية لبنان من المطامع، ويدا واحدة في بناء بلدنا العزيز وحماية مجتمعنا من آفات العنف والتناحر التي ما فتأت تجلب الضرر والاحزان للمواطنين الى أي جهة انتموا وأنه لا سبيل امام اللبنانيين إلا الحوار، والحوار الهادئ الصبور ولغة المحبة والتسامح والاحترام المتبادل من أجل الخروج من المأزق ومعالجة القضايا الخلافية بما يعطي لكل حق حقه ويوفر الطمأنينة لجميع الفرقاء والشركاء في الوطن. نعم، يريح بالنا ويهدىء روع قلبنا، اقدام الاشقاء، بمحبة، على السهر في مساعدة لبنان، واستدراك الخطر الداهم، واستباق اي مفاجأة والمبادرة الى اللقاء والتشاور والتداول بما يمكن ان يدرأ الخطر، ويحفظ الاستقرار. ولكن على اللبنانيين ان يؤدوا الدور الفاعل لتلقف هذا الاحتضان المحمود. عليهم ان يبتكروا ما يجعل من حرص الدول على استقرار الاوضاع في بلدهم ما ينقذ سلامة لبنان، لا ان يكون هذا الحرص بابا من ابواب تزكية الصراع والاصطفافات الانقسامية. هذا هو التحدي الذي يواجه اللبنانيين اليوم، وعليهم ان يكونوا على مستوى قامة وطنهم في تاريخه العريق ودوره الرسالي في عين الحضارة، والا - معاذ الله - اقاموا الشاهد على عدم استحقاقه لهم وطنا. لا بد لنا من التعبير عن امتناننا للمواقف الحكيمة لفخامة الرئيس، وللعديد من القيادات العاملة بجهد على حد ميزان صعب ودقيق من اجل مصلحة البلاد العليا ووحدتها الغالية. ونشد على يد جيشنا الوطني وقيادته الواعية الساهرة، سائلين الله تعالى ان يمنحهم قوة الصمود، والفلاح. وفي الوطن العربي، لا يسعنا في مناسبة العيد، الا ان نستذكر بأسى ما آل إليه واقع القضية الفلسطينية، بعد ان ثبت على مر السنين ان لا نية مطلقا لدى العدو الاسرائيلي لفتح باب السلام الحقيقي لاعادة الحقوق والارض لاصحابها، بل ها هي ممارسات تهويد القدس ومواصلة الاستيطان ومصادرة الاراضي وغيرها، اقل ما يجب ان تقابل به موقف عربي واسلامي موحد، وايجاد ضغط دولي يمنع استمراره، كما ويحتم تحقيق المصالحة الفلسطينية وتكريس مسيرة التلاقي العربي - العربي، وتعزيز الوحدة الاسلامية، واعلاء مفاهيم تعايشها مع مختلف الديانات. واذ لا بد ان نبدي في هذه المناسبة تعاطفا مع الشعب السوداني الشقيق المهدد بخطر التقسيم، ومع الشعب العراقي الذي يعاني من موجات التطرف والارهاب، آملين ان تكون مساعي الدول العربية لرأب الصدع في هذين البلدين الشقيقين قادرة على وقف التدهور واعادة الطمأنينة والاستقرار الى ربوعها. نسأل الله تعالى ان يجعله عيدا مباركا، ونتوجه الى اخواننا في الايمان والاسلام وجميع اللبنانيين بأطيب التهاني في هذه المناسبة الدينية المقدسة، أعادها الله عليكم بالخير واليمن والبركات. انه سميع مجيب، وكل عام وانتم بخير".