المجلس المذهبي | مجلة الضحي
الثلثاء ١٦ نيسان ٢٠٢٤ - 7 شوال 1445
كلمة بمناسبة عيد الأضحى 2009.

2009-11-26

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين. في هذه المناسبة الكريمة نتوجه بالتهنئة إلى جميع مشايخنا واخواننا وأبنائنا في لبنان وجميع أنحاء العالم مع دعاء نستمده من عنايته لنرفعه لعزته تعالى بطلب التمنيات بالتوفيق لما فيه خير الدنيا والآخرة أعاد الله هذه المناسبة على اللبنانيين عموماً والمسلمين خصوصاً بالخير واليمن والبركات. إخواني استدركوا فرصة التوبة والإنابة قبل يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون. وبادروا إلى الملاذ الأرفع بتبييض الصحائف وتصفية السرائر وتغذية طبائع الخير بالحقّ والعدل وحسن الانتباه. وتمسكوا بالعروةِ الوثقى والحجّةِ الأبقى لتكون لكم سبيلا إلى الفضيلة ونِعم المآب. ها قد قطعتم رحلةَ المقصد الأسنى بالطاعة، وقلوبٍ فائضة بطلب الرضى، ونفوسٍ مفتقرة بالخوف والرجاء إلى ثمرة المعنى. فحقَّ عليكم وعلينا أن نتحقّقَ غايةَ العيد التي أراد الله سبحانه وتعالى أن يجعلها تذكرة للخلق أجمعين، ومناسبة مستعادة للوقوف منها على استشعار يوم اليقين. فهنيئا لمن تزوّد من لطائف الحق بزاد المعرفة والتقوى. ولمن بادر إلى اليقظة وأعمال البرّ وتزكية الروح والعقل والجوارح بالسعي في الخير بين الناس. إخواني إن للأضحى المبارك كما تعلمون معنى تلبية نداء الطاعة لله، والثقة به، والتسليم لمشيئته، وكل هذا يستقي من معين الإيمان الراسخ في القلوب والعقول. فلا سبيل إلى تحقيق غاية المعنى إلا بالتقوى، والتمسك بفضائل الأخلاق، والتعاضد في خدمة الخير، وكبح جماح النفس عن الهوى، فتستضيء آنذاك، بتوفيقٍ من الله، بصائرُنا، وتتزكّى، برحمةٍ منه، سرائرُنا، فنقفُ على حقيقة ذواتنا، ونتـنبّه إلى أحوال مجتمعنا وما طرأ على عاداته وقيَمه وتقاليده ليس أقلُّها الفجوة الطارئة التي باتت تُباعدُ بين مدارك الأسلاف والآباء من جهةٍ، وبين الأجيال الصاعدة من جهةٍ أخرى. ولا أخفي كم يُسبِّبُ لنا هذا الأمرُ من قلقٍ ومخاوف نتيجة ما نتبلّغُه ونراه من مسبِّبات ترهّل الكَنَف العائلي، وتفشّي آفات الحياة المعاصرة في العديد من طرائق حياة الجيل الشاب كما يتبدّى في الكثير من الظواهر السمعية والبصرية والمسلكية المبتذِلة الكاسحة لجوارحهم وأفئدتهم إلى حدّ شبه الانقطاع عمّا كان على مرّ العصور سرَّ قوّةِ بقاء أجدادهم فوق هذه الأرض الطيبة، غير منعزلين عن أمتهم، بل في قلب ميدان جهادها، وفي عين مقوِّمات الدفاع عن كرامتها، وفي صُلب مهام الذود عن حِياضها. إخواني إننا نتطلّع إلى ما من شأنه النهوض بمجتمعنا في كلّ المجالات، ولا سبيل إلى ذلك، كما تعلِّمنا وقائعُ الحياة وأعباء المسؤوليّة، إلاّ بتوطيد الأسُس السليمة والمتينة للمؤسّسات الجامعة. إنه لا يفيد أهالينا بشيءٍ أن نستقوي على الجهود المشتركة المبذولة لتنظيم شؤوننا العامّة، بالعصبيّة والفئوية وتأجيج نوازع استفراد كلّ جبّ عائلي (وما شابه) بمنافع منتَزعَة من الحقّ العام. إن المصلحةَ العامة تقضي بتضافر جهود الجميع، مع حفظ الحقوق، لتوحيد المسيرة، أقله لجهة الإنماء والخدمة الاجتماعية، ونشر الثقافة الأصيلة، وتعميم مفاهيم المشاركة والنفع العام والضرورات الموجِبة لصهر مقوِّمات التنمية وعناصرها ومعطياتها الواقعية التي لا يمكن لأيٍّ كان الوقوف على حقائقها إلا بالدرس والبحث والموضوعيّة والتجرّد من كلّ رواسب الصراعات الصغيرة، والغرَضيّات المطوِّحة بحسن النوايا والطامِسة لعدالة المقاربة الصادقة. يعلِّمنا التوحيدُ كيفيّةَ الخروج من ذواتنا لتحقيق الغاية الخيِّرة من وجودنا، وهذا جوهر معنى التضحية في صبيحة العاشر من ذي الحجّة. عسانا ان نكون وإياكم في جملة من يشملهم الله سبحانه وتعالى برحمته ورضاه. أيها اللبنانيون إنه لبَرَكة فائضة في سياق الرحلة الموصلة إلى غاية العيد المبارَك أن يوفِّقَ اللهُ تعالى قياديي هذا البلد الحبيب إلى التوافق المرغوب الذي أدّى إلى قيام حكومة الوحدة الوطنيّة. و لا يسعُنا، تعبيرًا عن ارتياحنا العميق، إلاّ أن نكرِّر تهانينا لفخامة رئيس الجمهوريّة ولكلٍّ من رئيس مجلس النواب، ورئيس الحكومة بهذا الإنجاز المرتقب من كلّ المخلصين، واننا نتطلع على الصعيد الوطني إلى المرحلة المقبلة بكثير من الأمل والثقة لان الصعوبات والتوتر الذي مر به لبنان خلال السنوات القليلة المنصرمة لن يتكرر لان إرادة الوفاق الوطني ستبقى فوق كل اعتبار والرغبة في العيش المشترك والحفاظ على السلم الأهلي تتخطى كل الصعاب. آملين أن تتوطّد مسيرةُ الدولة بتكريس هذه الروح التي دفعت مختلف القيادات إلى تجاوز مرحلة عصيبة من تاريخ بلدنا، وإلى تأصيل منهج الحوار والمشاركة، وإلى تأكيد منطق ضرورة اللقاء الوطني حفظاً لمصلحة البلاد العليا، وإلى الخروج بالفعل من خنادق النـزاعات والفتن، سائلين الله سبحانه وتعالى أن يحفظَ لنا هذه النعمة، وأن يوفِّقَ المسؤولين في لبناننا العزيز لدفع مسيرة النهوض والتنمية وتعزيز الوحدة، وتحصين المناعة، في وجه العدوّ المتربِّص، بكلِّ أشكال المقاومة والدفاع والحماية. كما نسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظَ بلدَنا الحبيب من شرِّ كلِّ عدوان. سائلين الله سبحانه وتعالى أن يمد شعبَي فلسطين والعراق بالعون لإحقاق الحق، وأن ينصفَ كلّ مظلوم، إنه هو السميع المجيب. بتاريخ 26/11/2009