المجلس المذهبي | مجلة الضحي
الجمعة ١٩ نيسان ٢٠٢٤ - 10 شوال 1445
كلمة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن بمناسبة افطار رمضان 2009

2009-09-09

قال تعالى:}شهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ{صدق الله العظيم والصلاة والسلام على أشرف الرُسل خاتم النبيين* وعلى آله وصحبه أجمعين* إلى يوم الدين* فخامة رئيس الجمهورية ممثلاً بدولة رئيس مجلس الوزراء، صاحب الفخامة، أصحاب السماحة والدولة والغبطة والمعالي والفضيلة والسيادة والإخوة الحاضرين. السلام عليكم ورحمة المولى وبركاته، انه ليومٌ كريم في هذه الأمسية الرمضانية من الشهر الفضيل المبارك شهر المحبة والاخاء نستقبل في رحاب هذه الدار، دار طائفة الموحدين، دار كل الوطنيين والأحرار والشرفاء والمناضلين والمقاومين. هذا الجمع الفاضل من وجوه امتنا الحبيبة، وهو خير دليل على ان التلاقي والمحبة هما الخيار الوحيد بين اللبنانيين وهما الطريق الصحيح لتكريس الاستقرار والوحدة الوطنية والسلم الأهلي. في هذا اللقاء الوطني الجامع تستعيد هذه الدار المبادرة إلى واجب إقامة تقليد اثيل له في ضميرنا ووجداننا العديدُ من المعاني ذات البعد الاجتماعي والإصلاحي الذي يحملُ معنى رياضةِ النفس بامتثال الأمرِ بالمعروف والنهي عن المنكر. نستحضرُ هذا الواجب ليكون لنا خميرةً طيبةً في قلوبنا وفي عقولنا لخبز الوطنية ومائدتها، فالسياسةُ ليست لعبةً تمارسُ دوماً على حافةِ الهاوية بل هي فن تحقيق الحياة وفقاً للممكن، فإنها مهما تماهت في واقعيتها لا يجب ان تتنكر للقيم والمبادئ والروح الميثاقية التي بها كان لبنان وبها فقط يبقى، والمصالح مهما تعاظمت وتضاربت واصطخبت أمواجُها يجب ان تنكفئَ امامَ صخرةِ وحدتنا لأنها هي وحدها بعون الله ورعايته حماية لبنان. ونحن من موقعنا نأمل ان تُحَقَّقَ أيضاً وفقاً للمِثال. إن تخطي ذيول المرحلة السابقة هو مسؤولية كل الأطراف والقوى والمرجعيات السياسية والروحية على حدِّ سواء، وهو مطلوب اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى. من هنا نبارك الجهود التي تسعى إلى تمتين وحدة المسلمين لأنه بهذه الوحدة نعمل بقوله تعالى: }وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا{. ولو وقف المسلمون عند الحديث الشريف: "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم". فبذلك نصبح بنعمته تعالى اخواناً على سرر متقابلين فيُعز الشأن وتصان الديار وتحفظ الكرامة ونطمئن إلى المستقبل. فالحفاظ على الوحدة الإسلامية، وجمع الشمل وتحصين الوحدة الوطنية، والتلاقي والتعاون والمجاهدة للمصلحة الداخلية وتنقية المناخات على هذه الساحة المحلية لا تكتمل صورتها إلا بشقيها الإسلامي والمسيحي عبر الحوار والتفاهم لتخطي الصعاب بحكمة قياداتهم وعمقِِ فهمِهم وسعةِ اطلاعِهم. بهذا الوعي وقدرة الإدراك تحققت المصالحة التاريخية في الجبل برعاية صاحب الغبطة البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير ورمزنا الوطني وليد بك جنبلاط، ويبقى الجبل ميزان الاستقرار الوطني، فبالحفاظ عليه يُحفظ الكيان، وبصونه يُصان لبنان. والمبادرات الوفاقية تُكمّل هذا النهج التصالحي ولا تتناقض معه. وهي مدخل ضروري لحماية السلم الأهلي تجاه كل المخاطر، فها هي إسرائيل لا تطبق القرارات الدولية لإحلال السلام في المنطقة وأطماعها التوسعية على حساب وحقوق الشعب العربي في فلسطين المحتلة مستمرة وقد لا يُعرف نهايتها؟ وها هي الأصوات الإسرائيلية تتعالى وفي أوقات متقاربة لتطلق التهديد والوعيد بحق لبنان واللبنانيين. وكأن هذا العدو لم يتعلّم من تجاربه السابقة أن لبنان بلدٌ لا يركع، وان اللبنانيين يقاومون حتى الاستشهاد دفاعاً عن أرضهم وكرامتهم وعزّتهم وحريتهم فحررّوا أرضهم وحققوا الانتصار عام 2000، وأعادوا تحقيق الانتصار عام 2006، وهذا ما لا تصنعه إلا مقاومة قوية قادرة، والتفافٍ وطني وشعبي حولها. لذلك ولاستمرار رغدِ العيش المشترك في لبنان كلّنا مدعُوّون إلى ما سماه فخامةُ رئيس الجمهورية "مائدةِ الشراكة الروحيّة والوطنية"، ونحن ندعو إلى أن تتحوّل هذه الصورةُ الجميلةُ المتكرِّرة لهذه المائدة ومدعوّيها إلى فعلٍ سياسيّ راسخ يأتي بالطمأنينةِ الواعدةِ إلى شعبنا، وبالاستقرار الراسخ إلى نظامنا الديموقراطيّ بعيداً عن التطرف والمعاندة ويبقى الاعتدالُ أفضلُها وخير الأمور أوسطُها انطلاقاً من تجاوز عقبات تشكيل الحكومة ودوران عجلة الحكم وعودة المؤسسات الحاكمة إلى عافيتها بقوّةٍ وتصميم، لتتمكن الدولة من صد خطر التصدع التربوي، والتصدع الاقتصادي، وكوارث البطالة والهجرة والفقر. وكذلك تعزيز قدرات جيشنا الوطني وأمننا الداخلي وتعزيز استقلال القضاء وتفعيل دور المجلس الوطني للإعلام وغيرها، والعمل على استكمال تنفيذ اتفاق الطائف لا سيما لجهة انشاء مجلس الشيوخ مطلب الهيئة العليا لطائفة الموحدين الدروز في العام 1983 ولا يزال. أما بالنسبة إلى القضية الفلسطينية والتي تحتاج إلى التضامن العربي، فان طائفة الموحدين الدروز وقفت تاريخياً إلى جانب القضايا العربية المحقة، وناضلت في سبيل هذه القضية وهي كانت ولا تزال تنحاز إلى الحق على الباطل، والحقُ يقول بقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشريف وعودة جميع اللاجئين إلى أرضهم وديارهم. اما بالنسبة للشقيقة الاقرب سوريا فاننا نرغب بإقامة افضل العلاقات وامتنها على قاعدة الاحترام المتبادل والتعاون المشترك لما فيه خير الدولتين والشعبين الشقيقين درأً للمخاطر المحدقة وصونا للحقوق العربية. ونعود إلى هذه الأمسية الكريمة ونذكر من معانيها بعد الصلاة والصوم الزكاةُ بالخير فيما يستطيعُه المؤمنُ تزكيةً للنفس وطهارةً للقلبِ وقرباناً للمرءِ يؤديه طاعةً لله وسعياً لمرضاته، ويصبحُ التعاضدُ الاجتماعيّ واقعاً مرتبطاً بكلمة الله جل جلاله، والتآلفُ المدنّي نعمةً تظلِّلُ بفيِئها كافة فئات المجتمع، وهذه كلّها فضائل قامت ببركتها أممٌ وحضارات، ولا يسعني في هذا الشهر الفضيل الا ان أتقدم بوافر الشكر وجزيل الامتنان من دولة الرئيس الشيخ سعد الحريري على المكرمة التي خص بها هذه الدار. ونؤكد ان هذه الدار ستبقى بعونه تعالى لجميع أبنائها دون استثناء من حضر منهم ومن غاب. هذا هو دورُنا في مواقع المرجعيات الروحية ومعكم يا صاحبي السماحة ومعكم يا أصحاب الغبطة والسيادة سيبقى دورنا دور الدعاء والنصح، والجمع واللقاء، والارتفاع بصلواتنا لله عز وجل نسأله ببركة الأيام الفضيلة ومعناها أن يُلهمَ الجميع إلى السداد وحسن التدبير والقرار وان يوفقنا وإياكم إلى ما فيه خيرُ نفوسِنا عاجلاً وآجلاً ، والى ما فيه بناءُ وطنِنا على أسسٍ من العدالةِ والمساواة، والى ما فيه خيرُ شعبِنا العزيز وصيانَتِه وحمايتِه من كلِ مكروه انه على كل شيء قدير وكل عام وانتم بخير. بيروت في:9/9/2009