المجلس المذهبي | مجلة الضحي
السبت ٢٠ نيسان ٢٠٢٤ - 11 شوال 1445
كلمة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن بمناسبة تغييب الإمام موسى الصدر

2009-08-28

الحمد لله ربّ العالمين الصلاة والسلام على سيّد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين قال تعالى: "مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا صدق الله العظيم.      إنّ ذكرى التغييب هذه أمرٌ مؤلمٌ ليس في وسع أحدٍ من المخلوقين أن يبدِّد أثرَها في الزمان. ولا يستقيمُ في ضميرِ أمّةٍ أن تتوارى صرخةُ حرّيتِها في المجهول كما لا يستقيمُ أن تغلبَ عتمةُ الظلم ِ أنوارَ الحقّ. والذي نعرفُهُ جميعُنا عن الإمام انـَّهُ كان بحجم نهضةِ شعب، ورؤيا مستقبلِه، وطموحات أجيالٍ واعدة. ذلك أنّ فكرَ الإمام الصدر لم تكبّلـْهُ المذهبيّةُ، ولم يحدّه ضيقُ الأفق، ولم تقيّـدْهُ سلاسلُ الإرتهان والمساوماتِ الخفيّة، بل كان فكرًا مَرويّا بألَم الناس ومعاناتِهم وتطلعاتهم إلى قيادةٍ معبِّرةٍ عن وجدانها وخلَجات قلبِها. بهذا المعنى كان الإمامُ صوتًا إنسانيّا له منابرُه فوق ساحة الوطن بأسره، بل أرقاها وأكثرها تقدّميّة واجتهادا. كان الإمامُ إرادةً وحركةً باتجاه وطنٍ قويّ. لم يستسلم أمام معوِّقات التخلّف والفقر وسوء الحال. بل تصدّى بجهاده وفكره النيّر لأسبابِ الانحطاط ومكامِن عللِه. فرأى في الدِّين روحَ التحرّر، وفي العِلمِ سرَّ النهوض، وفي تنظيم المؤسّسات وجدَ ضالّةَ حاجات الناس، وفي بأسِ الرِّجال وعزائمِهم وثباتِ قلوبهم رأى ما يضاهي عجرفةَ المغتصِب ومظالمَه وقوّتَه الغاشمة. إنّ تراثَ الإمام الصّدر في سيرتِه ونضالِه وأقواله ومحاضراته ومشاريعه وانتفاضاته كلّها يُقدِّمُ لنا صورةً نهضويّةً لقيادةٍ تاريخيّة لم تتحمّلْ سناها غطرسةُ المستبدّين وضمائرُهُم الغائبة. أرادَ وطَنًا بحجم أبنائه جميعًا بكلّ طوائفهم ومذاهبهم واعتقاداتهم، وطنًا مترسِّخًا في وحدته الوطنيّة، لا تقف حرّيتُه ولا سيادتُه حائلاً دون التزامه قضايا أمّته القوميّة. أرادَ أيضًا أن يكونَ صوتُه مدويّا كأنه صلصلةُ السيفِ ضدَ الجهل والفقر والظلم والفساد الخلُقيّ، صوتُه المتّحد بالفعل والمثابرة والإنجاز تحقيقًا لما من شأنه النهوض فوق كلّ تلك الآفات الاجتماعية المحبِطة، والتحرّر منها، مقدّمةً للدفاع عن تراب الوطن وحرّيته وسيادته. لقد أدرك سرَّ فرادة لبنان وتكوينه الخاص من حيث هو فسحة لقاء ومشاركة وتعاضد بين مختلف أبنائه. لذلك، تضمّنت معظمُ خُطبه ومواقفه كلماتٍ جامعة في الدعوة إلى ترسيخ الوحدة الوطنيّة وتمتين إرادة المشاركة بين اللبنانيين. ولا يجبُ أن ننسى مواقفَهُ المبدئيّةَ المتّسمةَ بالسموّ فوق العصبيّات، والتسامي فوق صراع المصالح الضيّقة، والارتقاء بمفهوم مجابهة الفتنة إلى مستوى المِثال الذي يجب أن يكون لنا معالـمَ نهجٍ وطريق، وذلك حين قال: "إننا نريدُ أن نخنقَ صفحةَ العنف بصفحةِ العبادةِ والاعتصام والصيام"، وصدّق القولَ بالفعلِ في موقفٍ تاريخيّ مشهود. يعلّمنا هذا الدرسُ انّ السياسةَ التي يمارسُها الكبارُ من الرّجالِ لا يمكنُ أن تُبنى بمعزلٍ عن الضرورةِ الأخلاقيّةِ التي بها تكونُ السياسةُ مثمرةً وبمنأى عن العقمِ والتعطيل، تقطفُ الناسُ منها ما فيه النفعُ والصلاحُ والمصالحُ الخيِّرة، وترتجي منها الفلاحَ وحسنَ تدبيرِ أمورِ الأمّة، وصونَ البلدِ من الوقوع في منزلقات الفتنةِ وتنافر العصبيّات وشحن النفوس بما يعيدُنا إلى الجاهليّة الأولى. واليوم، في هذه المناسبةِ الحزينة، نرى الأملَ في عزائمِ الرّجال الذين فهموا الرؤية الشاملة التي عبّر عنها الإمامُ المغيّب، ليس في مواقفه وكلماته وحسب، بل وفي سيرته وما يرمزُ إليه سرُّ تغييبه. نقفُ أمامكم فكأنه بيننا، ولذلك، علينا أن نمضي قدُمًا في الدعوةِ إلى التعبير عن إرادة التوافقِ بالالتفاف حول رأس الدولة، وتجسيد الوحدة الوطنية بتشكيل حكومة المشاركةِ الايجابيّة في بناء مؤسّسات الحكم والإدارة والخير العام. علينا أن نكونَ أوفياءَ لشعبنا وقضاياه ومصالحه وتطلعاته نحو الغد الأفضل. وفاءً يستحضرُ أمامنا ثورةَ الإمام الصدر في كلّ أبعادها.      وإننا في هذه الأيام المباركة، وهي مباركة بالطاعة، ومباركة بصوم القلب عن الخبث والجوارح عن المعصية والعقل عن البدع، نؤكد على هذه القيم السامية وندعو الله سبحانه وتعالى أن يجمع شمل اللبنانيين جميعاً بالتوافق، ويوحد كلمتهم بالعدل ويؤلف قلوبهم بالتوحيد ويبارك في كل جهد وصلح يجمع شمل الناس في نعمة بلدهم مكرراً مع أمير الدولتين:   أَلَا اتَحِدُوا يَا أَهْلَ لُبْنَانَ مَنْزَعاً      إذَا كُنْتُمُ تَبْغُوْنَ أَنْ تَمْنَعُوا الحِمَى فَمَا ذَلَّ شَعْبٌ قَطُ وَهْوَ مُوَحَّدٌ       وَمَا عَزَّ َشَعْبٌ قَطُ حِيْنَ تَقَسّـَمَا      والسلام عليكم ورحمة المولى وبركاته بيروت في: 28/8/2009