المجلس المذهبي | مجلة الضحي
الثلثاء ١٦ نيسان ٢٠٢٤ - 7 شوال 1445
كلمة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن بمناسبة افتتاح دار الحكمة الداوودية 16-5-2009.

2009-05-16

إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (صدق الله العظيم) والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيّد المرسلين وخاتم النبيين وعلى آله وصحبه الأشراف الميامين.   أهلاً وسهلاً بضيوفنا الكرام، إنه لَيُسعِدنا الوقوفُ في هذا المقام في بلدة عبيه، مُعلنين بفضله تعالى إعادةَ الحياة لصرحٍ له في قلوبنا وفي عقولنا وفي ذاكرتنا منزلةٌ عزيزة. صَرحٌ تُراثيٌّ للعِلمِ قديمٌ كانت له صفحاتٌ وضّاءة مشرقة في تاريخنا النهضويّ. صرحٌ لبناءِ العقل واكتسابِ المعرفة وتكوينِ الشخصيّةِ الرائدة التي تمكِّـنُها المؤهّلات المطلوبة في عصرنا من ولوج معترك الحياة بالإرادةِ المتينة والأخلاق السنية. إنه، كي يستقيمَ لنا بناءٌ، علينا أن نعبرَ الركامَ الذي أورثنا إيّاهُ انعدامُ الرؤيةِ الموحَّدةِ في إدارة ما من شأنه تحقيق التنمية والخير لمجتمعِنا الكريم. وها نحن، والحمد لله، نبدأ خطوات العبور بفضلِ حكمةِ القيادة التي أرست لنا سبُلَ تحقيق الرؤية المطلوبة. فلا يُشغلنّ أحدٌ عقولَ النّاس بالشكوكِ والسّعي الممقوت في التفرقة. بل ها هي ذي ساحة العمل المنتِج الذي يُـباركُ ثمارَهُ أهلُ الفضلِ والمعروف. إنّ روعةَ الاحتفال بإنجاز البناء، أيّا يكن هذا البناء، لا تضاهيها روعةٌ إلاّ الاحتفاء بحلول التقارب، ورُجْحان خِيار التفاهم على نوازعِ الغَلَبة والوقوع، لا قدّر الله ، في هاوية الخلاف والفتنة. كذلك، لا تضاهيها روعةٌ إلاّ رؤية النخبة من أبنائنا يتسابقون إلى فعل الخيرات، ويبذلون الوَسع، بإقدامٍ لافت، لدفع مسيرة العمل المؤسساتي المُبارك نحو تحقيق الأهداف الكبرى التي يطمحون إليها.                           إنني إذ أحيّي جهودَ كلّ الذين عملوا وصولاً إلى هذا الإنجاز، آمل أن يكون حافزًا لنا جميعًا على مزيدٍ من عقد العزمِ على تحقيق الكثير من الإنجازات التي يتوجّب علينا أن نحقِّقَها وفاءً لالتزامنا فعلَ الخير والعمل المخلص في خدمة شعبنا الطيِّب الأصيل الذي لم يـبخل يومًا بالتضحية بكلّ ما يملك نصرةً للحقّ وإيثارًا للكرامة. علينا، في هذه المناسبة، أن نعاهدَه على الوفاء وعلى العطاء وعلى ضخّ الحياة في كلّ مجالات عملنا لخدمته وخدمة طموحات الأجيال وتطلعاتها إلى مستقبل واعد زاهر. رسالة المجلس المذهبي، هي رفع شأن المجتمع وخدمته في كل الحقول. فلنبدأ العمل، يدًا بيد، وإرادة بإرادة، وقلبًا بقلب، بنوايا معقودةٍ على البذل والتضحية ممتثلين الحديث الشريف:"مَثَلُ المؤمنين في تَوادِّهم وتراحُمِهم وتعاطفِهم كمَثَل الجسدِ الواحد إذا اشتكى منه عُضوٌ تداعى له سائرُ الجسَدِ بالسَّهر والحُمَّى". أيها الحفل الكريم، إننا نريدُ لهذا الحديث الشريف أيضاً أن يُؤخذ على المستوى الوطنيّ، لأن لبنان بكلّيته هو منطقتنا، وشعبَه بكلِّ طوائفِه هو أهلنا. لذلك، والحقّ يُقال، فإنّ للتنمية في لبنان عرًى لا تنفصم بين كلّ فئاته. والتنميةُ المتوازنةُ من شأنها، إن تحقّقت بالعدل والقسطاس، أن تدرأ مخاطرَ التنازع والصراع على المصالح الفئويّة، بل من شأنها أن توحِّدَ اللبنانيّين في رؤاهُم المستقبليّة، وأن تدفعَهم دفعًا لصيانة هذه النعمة التي وهبها إياهم الله سبحانه وتعالى وهي لبنان. ولكن كيف يتحقق الإنماء المتوازن إلا بمشروع الدولة وتثبيت المؤسسات وتكريس السلم الاهلي؟ وكيف نبني الوطنية إذا تناسينا الوفاء لمن يُدافع ويُناضل من أجل الوطن؟ كنا مع الجامعة اللبنانية والمدرسة الرسمية ولا نزال، ولكن أيُّ علمٍ ننتظر، ألم يَقُل الشاعر: "إنما العِلمُ للنُـفوسِ مَحَـكٌ                          فهو يُبدِي لِكُلِ نَفسٍ وَسْـمَا هو في الأنفسِ الكبيرةِ نـورٌ                         مُشرقٌ قد أزالَ عنها الظَلْـما وهو في الأنفسِ الصغيرةِ نارٌ                        جَعَلَتها عندَ التلامُسِ فَحْمَا أريدُ من هذه الملاحظة أن أسجِّل إننا نريدُ لهذا الصّرح العلمي، الذي نسأل الله سبحانه وتعالى أن يكون مزدهرًا، أن يخدمَ أبناء لبنان جميعاً وليس طائفةً بعينها، أن يخدمَ العقلَ والمعرفةَ الإنسانيَّين وليس التعصّب المغلق أيّا كانت ماهيّته، إيماننا أن ماهيّةَ التعصّب لا يُمكن أن تكون إلاّ داخل الظلمة، فأمّا الذي في النور فهو التسامح والتعاضد والمودّة. وفي الأيام القادمة يأتي الاستحقاق الانتخابي في عهد الرئيس التوافقي العماد ميشال سليمان، فمن الواجب الوطني أن يعبر المواطن عن رأيه بعيداً عن الترغيب والترهيب، ونأمل أن تمر هذه المرحلة بخطاب سياسي هادئ للانتقال إلى مرحلة استكمال تنفيذ البنود الكاملة لاتفاق الطائف وتثبيت أسس ودعائم الدولة الديمقراطية. أخيراً وليس آخراً، في ذكرى نكبة فلسطين نوجه التحية لهذا الشعب المناضل، الذي ستبقى قضيته القضية الأساسية الأولى عند العرب، والأمانة بيد الأمم المتحدة حتى تتمكن من تحقيق الدولة المستقلة للشعب الفلسطيني وعاصمتها القدس الشريف، ومن إنجاز الأنظمة التي تُفرق بين الحقوق المشروعة للشعوب وبين الإرهاب. والسلام عليكم ورحمة المولى وبركاته.