المجلس المذهبي | مجلة الضحي
السبت ٢٠ نيسان ٢٠٢٤ - 11 شوال 1445
كلمة بمناسبة عيد الأضحى 2008.

2008-12-02

لمناسبة عيد الاضحى المبارك وجَّه شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن من دار الطائفة الدرزية في فردان رسالة العيد وجاء فيها الحمدُ لله الذي أنارَ بالدعوةِ إليه قلوبَ المؤمنين. وجعلهُم أُمّـةً وَسَطا ليكونوا شهدآءَ على العالمين. وصلّى اللهُ على رسوله المصطفى الهادي الأمين. وعلى آله وصحبه الغُـرِّ الميامين. إلى يوم الدِّين. وبعد يُلبِّي المسلمون العاشر من ذي الحجة، يومِ الحجِّ الأكبر، المناداة التي أوحى بها اللهُ عزّ وجلّ إلى نبـيِّه ابراهيم (ع) ]وَ أذِّن في الناسِ بالحجِّ يأتوكَ رجالاً وعلى كلِّ ضامرٍ يأتينَ من كلِّ فجٍّ عميق[ (الحجّ/27) تلبيةً معبِّرةً عن طاعتهم لله وإذعانهم للحقّ وإقرارهم بالفضل والنعمة والرحمة من المولى العليّ القدير الذي افتدى الذّبيحَ ]بذِبحٍ عظيم[ فصارَ ذلك الفداءُ سُـنَّةً لله في خَلقه كي يستشعروا واجبَ الطاعة على الدوام، ولكي يبادروا إلى التسليم بما عاهدوا الله عليه، ولكي يوقنوا مغزى التضحية التي لن يرقى امرُؤٌ في معارج التوحيد إلاّ بها. إنّ معاني التوحيد السامية كامنةٌ في لطائف الذِّكر الحكيم، ولن يستزيدَ المريدُ من حكمة الله إلاّ إذا عفّ وشفّ مخلِصًا لله قلـبَه ونيّـته، فتُثمرُ أعمالُه الصالحة في الخيرات والبرَكات، إنّ اللهَ حلـيمٌ كريـم. أيّها الأخوةُ الموحِّدون ما الحجُّ إلاّ رحلةٌ يستهلّها المؤمنُ بإحرام القلب والروح والجسد، قاصدًا وجهَ ربـّه الواحد الأحد، وعاقدَ النـيَّة على التعـبّد والتطـهّر لكي يكونَ لائقـًا بالمُثول في حضرةِ الحرَم الأمين، وقائمًا بما سـنّهُ لهُ النبيُّ المختارُ أشرفُ الرّسُل وخاتَمُ النبيِّـين. ]لقد منَّ الهُ على المؤمنينَ إذ بعثَ فيهِم رسولاً من أنفسِهم يتلُو عليهِم آياتِه ويُزكَّـيهِم ويُعلِّـمُهُم الكتابَ والحكمةَ وإن كانوا من قبلُ لفي ضلالٍ مبين[ (آل عمران/164). فهنيـئًا لمن أُلهِمَ الخيرَ فأيقظَ نفسَه وزكّاها. فألزمها الأخلاقَ المحمودةَ وزجرَها عن المذمومة ونهاها. وسعَى سعْيَ المريدِ الطالبِ المغتبطِ بالحق. مُوقـنًا أنّ الحياةَ الدنيا مَتاعُ الغُرور، وأنّ الركونَ إلى زخارفها لا يعدو كونُه أضغاثَ أحلام، فكان في زمرة أولئك الذين ]كتَب في قلوبهم الإيمانَ وأيّدهُم بروحٍ منه[. إنّ غايَةَُ الإنسان من هذه الرِّحلة هي كمالُه الأخصّ به من حيثُ هو إنسانٌ عاقل مُستخلَفٌ في الأرض، يشدُّ أزرَ إخوانه ويعضُدُهم في الخير، ويواصلُهم في ما فيه نفعُ الجماعة ومصلحتُها، ويجاهدُ في التقوى ليكونَ كريمًا عند الله مصدِّقًا لما وعدَ به ]إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم[، وينـزِعُ في نفسه نزوعًا إلى أن يكونَ وأخيه كالبنيان المرصوص يشدّ بعضَه بعضا. إنّ هذا السبيلَ هو الذي من شأنه أن يُصلحَ حالَ الأمّة، ويجدِّدَ حيويّتَها، ويُلهمَ العقولَ التدبيرَ السويّ. فلا تنافر في القلوب يصدِّعُ وحدتَها، ولا تنازعَ على المكاسبِ يقضّ أساسَ بنيانها، ولا افتئاتَ لفئةٍ في الرأي على فئةٍ أخرى فينثلمُ قلبُها. هذا والعدوّ متربِّصٌ بها، مُتحيِّنٌ فرصةَ الانقضاض على مكامن قوّتها ومِنعتها. إنه إذا ما فتكت هذه المثالبُ، بل هذه المحنُ الوبيلةُ في نفوسِ الجماعة "ينـزِعُ اللهُ من صدُور أعداء الأمّة المهابةَ منهم، ويقذفُ في قلوبهم الوَهنَ، وتَداعى عليهم الأمم كما تداعى الأُكَلةُ إلى قَصعتها" كما جاء في الحديث الشريف. أيّها الأخوة الموحِّدون ليكُن عيدُكُم مثقلاً بثمار المعنى، زاهرًا بامتثال غاية الذِّكر الحكيم، مستضيئًا بما تبادرون به من فعل الخير والأعمال الصالحة. إنّ التمسّكَ بأهداب القيَم الرّفيعة التي يعلِّمنا إيّاها التوحيدُ يُجلي بصائرَنا، وينوِّرَ قلوبَنا، ويحصِّنَ نفوسَنا لتبقى ثابتةً على الأصل الشريف التي أرادَهُ الله سبحانه وتعالى لها، وإلاّ، فإلى أيّ منحدَرٍ سفليّ تدعونا إليه البهارجُ الدنيويّة؟ هل يليقُ بمجتمعنا أن تُفقِدَهُ الرغبةُ في الغواية خصالَ الحياء والرزانة والحشمة واعتدالَ الصّورة والحضور؟ وهل يليقُ بعاداتنا الأثيلة في اللقاءات الاجتماعية أن تتلبّسَ لبُوسَ التغرُّب الصارخ فنكرِّسُ في نفوس الأجيال الصاعدة صورةَ مجتمعٍ هجين؟ أقولُ لأبنائي الموحِّدين ما ورد في الحديث الشريف: "الرجلُ راعٍ على أهلِ بيته وهو مسؤولٌ عنهم، والمرأةُ راعيةٌ على بيتِ بعلها وولده وهي مسؤولةٌ عنهُم... ألا فكُلُّكُم راعٍ وكلُّكُم مسؤولٌ عن رعيّته." أبنائي، أدعوكم برجاءٍ وإخلاصٍ وصدقٍ، يحدوني الشوقُ إلى رؤية مجتمعنا متماسكَ الإرادة، موفورَ الكرامة، محفوظَ الجانب، إلى أن يكونَ كلُّ رجلٍ كريمٍ فيكُم، وكلُّ امرأةٍ كريمة على قدرٍ من المسؤوليّة في الرِّعاية هي قدْرُ أهلِ العزم والسُّؤدُد، وليسَ من يبني بيـتَه على شَفا جُرُفٍ هارٍ كمَن يبنـيه على صخرةِ المُرُؤةِ والتقوى. هذا واجبٌ يُمليه الحقّ علينا جميعًا، فإذا ما جاهدنا فيه وُهِبنا التوفيق والبرَكة من المولى العليّ القدير. إخواني إننا نفهمُ موقعَ المسؤوليّة في مشيخة العقل بابًا إلى الخدمةِ الروحيّة والاجتماعيّة نحاول عبرها أن يكونَ الآداءُ في نفوسِنا وفي ضميرنا متطابقًا مع القيَم السامية لما تعنـيه الفضيلةُ، ولِما تُوحي به القاعدةُ الإلَـهيّةُ: الأمرُ بالمعروف والنهي عن المُنكر. والمشيخةُ، بكلِّ توجّهاتها، لا يمكن أن تخرجَ عن المعنى الرفيعِ الذي انبثقت منه تسميتُها وهو الامتـثالُ لِلَطائفِ العقل بما يوجبُهُ الدِّينُ الحنيف. ونطلب من اخواننا وابنائنا في طائفة الموحدين الدروز صفاء النيات حول انطلاق مسيرة المجلس المذهبي والتعاضد معنا ولن نكثر الوعود لكننا نؤكد اننا نسير والحمدلله في خطوات ثابتة وان كانت بطيئة. اما على الصعيد الوطني فإننا نحيي كل من يقدم الوسائل التي تدفع الجميع الى الوفاق المنشود الذي من شأنه ان يرفع كيان لبنان وبالتالي فإننا نتمنى لمسيرة الحوار التي يقودها فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان كل الخير والتقدم، واذ نتوجه الى جميع اللبنانيين عامة والمسلمين خاصة بأسمى آيات التبريك والتهاني في هذه المناسبة الكريمة نقول،اللهم اهدنا الى الاختيار الافضل واتباعه، والدرء بعكسه واجتنابه، كل عام وانتم بخير.